أوراق مسافرة
رحلة موت مدفوعة الثمن..!
عزيزى الأب، عزيزتى الأم، أنتم تستدينون من الأقارب والمعارف، تبيعون بعض أو كل ما تملكون من أشياء بسيطة وتدفعون عشرات الآلاف من الجنيهات لتشتروا الموت المرعب لابنكم!، نعم لا تندهشوا، ما أقوله حقيقى ودرامى التفاصيل، وحدث حرفياً قبل أيام حين غرق قارب مطاطى للمهاجرين غير الشرعيين قرب جزيرة تكريت اليونانية وغرق به 27 شاباً مصرياً أغلبهم تحت سن العشرين بجانب غرق آخرين غير مصريين، القارب أقلع من البحر المتوسط إلى طبرق ليبيا متجهاً إلى اليونان، ولكن رحلة الشباب الطامح فى الوصول لأوروبا للعمل وتحقيق الثراء انتهت بمأساة مزقت قلوب ذويهم وأوجعت قلب مصر.
ليست المرة الأولى التى يدفع فيها شباب مصرى حياتهم ثمناً لحلم الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، بل آلاف غيرهم غرقوا فى المياه الإقليمية أو الدولية، يصطاد تجار تهريب البشر أحلام الشباب الفقير والعاطل عن العمل ليزين لهم الرحلة رغم علمهم المسبق -وفقاً لمئات التجارب السابقة- أنها ستنتهى بالموت، أو على أفضل تقدير بإعادة ترحيلهم إلى وطنهم حال ضبطهم قرب شواطئ أوروبا هذا أن وصلوا إليها أصلاً.
تجار تهريب البشر غالباً من مصر، ليبيا، السودان، يشترون القوارب المطاطية عبر الإنترنت من الصين، ثمن القارب يتراوح ما بين 1100 دولار إلى ألفين، القارب يبلغ طوله 11 متراً وهو مصنوع غالباً من مادة مطاطية رديئة ترتخى وتتحول إلى ما يشبه قطعة القماش حال إبحار القارب بضعة ساعات فى البحر وقد يحدث بها ثقوب نتيجة هجوم بعض الأسماك الضخمة عليها، أو قد يتلف من نفسه ويتفرغ منه الهواء، لا يملك أصحاب المركب سوى «منفاخ» لملء الجيوب الهوائية للقارب بين حين وآخر بجانب بضعة زجاجات فارغة لنزح المياه منه حال ارتفاع الأمواج وتسرب الماء إلى سطحه، ولا شىء آخر من أدوات الإنقاذ مثل أطواق أو سترات النجاة، فالمركب سعته لا تحتمل تلك الأدوات، خاصة مع تحميلة بـ50 شخص أو أقل قليلاً فيما سعته لا تزيد على 15 شخصاً، وهو ما يؤكد خطورة الوضع منذ البداية، لا يوجد على القارب أى أضواء أو آليات استغاثة لطلب النجدة والعون حال التعرض للخطر، بالتالى فى ظلام الليل بقلب البحر لا ترى السفن الكبرى هذا القارب المطاطى، وكثيراً ما تتسبب السفن الضخمة فى قلب القارب وإغراق من عليه، أو تحدث أمواج هائلة تتسبب فى انقلابه أو تتسلل المياه إلى سطحه مما يؤدى لغرقه أيضاً.
الرحلة من الإسكندرية إلى جزيرة تكريت اليونانية بهذا القارب تستغرق أياماً تصل لأسابيع حسب سرعة القارب والظروف البحرية فالمسافة البحرية كبيرة جداً تصل مئات الكيلومترات لا يصمد خلالها القارب فيغرق بمن عليه قبل الوصول إلى تكريت فيما يكون هدف المهاجرين غير الشرعيين إما دخول اليونان، أو استمرار الرحلة إلى قناة المانش الإنجليزية للوصول إلى إنجلترا، فرنسا، إسبانيا، أو إيطاليا.
لا يعلم هؤلاء الشباب المساكين أن دول الاتحاد الأوروبى قد أغلقت تماماً أبوابها أمام المهاجرين من دول عربية وإفريقية وإسلامية منذ الثمانينات، خاصة مع توسع دول الاتحاد الأوروبى إلى 27 دولة بينها 10 دول من أوروبا الشرقية، وهى الدول الشيوعية القديمة التى كانت تئن تحت الفقر، ولزاما على الدول الغربية من الاتحاد أن تساند دول الشرق الأوروبى وتفتح الأبواب أمام أبناءها للعمل حيث يمثلون أيدى عاملة رخيصة، بالتالى ليس لديهم أى حاجة لدول من بلدان أخرى غير أوروبية.
الأمر الثانى، الدول الأوروبية منذ ثلاث عقود وهى طاردة للمهاجرين غير الشرعيين بحدة وقسوة، لأنها تكتفى باللاجئين الرسميين الفارين من دولهم بسبب صراعات مسلحة أو حروب، وكل دولة تقبل عدد محدود متفق عليه مع الأمم المتحدة، وتتقاضى مقابل ذلك أموال هائلة من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وبالتالى لن تقبل مهاجرين غير شرعيين لتنفق عليهم دون مقابل وليزاحموا الأوروبيين فى فرص العمل والمسكن والطعام، لهذا تطارد الشرطة الأوربية المهاجرين غير الشرعيين فى أماكن العمل كافة، وتفتش على المساكن بصورة فجائية لضبطهم وترحيلهم دون أن تسمح لهم حتى بالحصول على أى متعلقات لهم.. وللحيث بقية