إسرائيل عدو.. أما بعد
أثار الإعلان عن صفقة الغاز المصرى مع الكيان المحتل حالة من الصخب، تشابكت فيها العاطفة الرافضة لكل أشكال التعاون مع إسرائيل خاصة بعد عمليات الإبادة الممنهجة فى غزة، مع منطق المصالح التى تحكم سياسات الدول، وبين منطق العاطفة ومنطق المصالح، يأتى دور استغلال توقيع الصفقة والمتاجرة بها ضد مصر.
منطق المصالح
أكد ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات أن الصفقة «تجارية بحتة» ولا تنطوى على أى أبعاد أو تفاهمات سياسية من أى نوع، مضيفًا بأنها تتلاءم مع الأهداف الاستراتيجية الأوسع لمصر، ولا سيما فى تعزيز مكانتها كمركز إقليمى رئيسى لتجارة الغاز فى شرق المتوسط، على الجانب الآخر وقف «نتنياهو» رئيس وزراء الكيان المحتل سعيدًا خلال إعلانه عن تلك الصفقة ووصفها بأنها أكبر صفقة فى تاريخ إسرائيل لتزويد مصر بالغاز عبر شركة «شيفرون»، مُعددًا الفوائد الاقتصادية لتلك الصفقة، ولا نحتاج هنا إلى توضيح منطق المصالح لشركة «شيفرون» متعددة الجنسيات وما تجنيه من أرباح.
تحت هذا البند أيضًا يدخل الإتحاد الأوروبى طرفًا، ففى يونيو 2022 تم توقيع مذكرة تفاهم ثلاثية بين الاتحاد الأوروبى ومصر وإسرائيل لتصدير الغاز إلى الدول الأوروبية، ووصفت «أورسولا فون ديرلاين» رئيسة المفوضية الأوروبية لحظة التوقيع بأنها تاريخية، لأن الاتفاقية ستساعد على تقليل اعتماد أوروبا على الغاز الروسى، فقد دفعت الحرب الروسية الأوكرانية الاتحاد الأوروبى إلى تغيير جذرى فى سياساته، بالبحث عن مصادر بديلة للطاقة.
تحت هذا المنطق من المصالح أيضًا ذكرت صحيفة «فايننشال تايمز» حسب ما تم تداوله فى أكتوبر 2025، أن«إيلى كوهين» وزير الطاقة الإسرائيلى يتحدى الضغوط الأمريكية ويحاول عرقلة الموافقة على تلك الصفقة مع مصر حتى يتمكن من تأمين شروط تجارية أفضل لإسرائيل، الأمر الذى دفع وزير الطاقة الأمريكى إلى إلغاء رحلة مقررة له إلى إسرائيل، ووصفت الصحيفة أن تلك المحاولة تُعقد علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة، التى تمارس ضغوطًا لإتمام الصفقة نيابة عن شركة «شيفرون».. كل ما سبق يدخل فى نطاق سياسات ومصالح الدول.
منطقة العاطفة
وهى المنطقة التى تقف فيها الإنسانية رافضة لجرائم القتل والإبادة والمذابح، وهى الدافع الأول لتبنى حملات عالمية تطالب شركة «شيفرون» بفسخ عقدها مع إسرائيل، ودفعت تلك النزعة الإنسانية البعض إلى التظاهر أمام المقر الرئيسى للشركة أثناء انعقاد اجتماعها السنوى العام الماضى وإغلاقه، ورفع لافتات وشعارات تحثّ المستهلكين على مقاطعة الشركة، بصفتها أكبر منتج للغاز فى إسرائيل والمورد الرئيسى للطاقة لجيش الاحتلال، وبالتالى فهى شريك فى عملية الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين.
كذلك كانت تلك العواطف الرافضة للمذابح الإسرائيلية والسعى إلى استخدام كافة أوراق الضغط على الكيان الصهيونى للتوقف عن جرائمه فى قطاع غزة هى الدافع لـ«فرانشيسكا ألبانيز» المقررة الخاصة للأمم المتحدة لتوجيه اتهامات لكبار مسؤولى الاتحاد الأوروبى، بمن فيهم رئيسة المفوضية الأوروبية «أورسولا فون دير لاين»، بالتواطؤ فى جرائم حرب بسبب دعمهم للكيان المحتل، وهى الدافع أيضًا لمهاجمة «ألبانيز» تلك الصفقة الآن.
أخيرًا: تخبرنا الأحداث والصراعات بأنه لا يمكن فصل الجانب التجارى بين الدول وبين الجانب السياسى، والحرب الروسية الأوكرانية خير دليل، فقد سعت الأطراف المتنازعة لإستخدام الغاز الروسى كورقة ضغط متبادلة فى تلك الحرب والتأثير فى مجراها، ورغم تلك القناعة نريد أن نؤكد أن الموقف الرسمى والشعبى من القضية الفلسطينية ثابت لم ولن يتغير، ويستند إلى دعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، ورفض التهجير القسرى، وإدانة كل جرائم الكيان المحتل.
فى النهاية: بعيدًا عن منطقة الصراع بين العواطف والمصالح، والتى لا يمكن فصل احداها عن الآخرى، نثق أن عبارة «إسرائيل هى العدو.. أما بعد.... » تتصدر رأس أى مذكرات أو تفاهمات مع الكيان المحتل وإن غابت عن الورق، وأن تلك الكلمات هى الإطار الأوسع الحاكم لكل بنود هذه المذكرات أو التفاهمات.
حفظ الله مصر من كل سوء.