قضية ورأى
الارتباك المكانى للسياسيين
عند الاستيقاظ المفاجئ من نوم عميق أو أحلام شديدة الواقعية، تحدث للبعض ظاهرة تعرف باسم «الارتباك المكانى المؤقت».
شعور مفاجئ بالحيرة وفقدان الإحساس بالمكان، وهذا بالضبط ما حدث لعدد ليس بالقليل من السياسيين أثناء وبعد انتخابات مجلس النواب.
بعد فترة من النوم العميق، والأحلام السعيدة، بالفوز بمقاعد فى المجلس الجديد، إذ بهم خرجوا، وبعضهم بلا أمل قريب فى العودة إلى السياسة أو الحزبية أو العمل العام.
مصدر الأحلام السعيدة، كان لدى البعض سطوة «مرشح الدولة»، إذ توهموا أن الدولة ستتخندق للدفاع عن كل مرشح محسوب عليها.
أيضا كان مصدر الأحلام السعيدة، توقع آخرين أن أجهزة الدولة سترفع يدها تماماً عن الانتخابات.. لكن كلا التوقعين كانا غير كاملين، والواقع كان مختلفاً.
لا الشارع ارتضى هذه السطوة، ولا الرئيس قبل تغيير إرادة الناخبين الحقيقية.. ولا المال السياسى تنحى جانباً.. ولم يفق بعضهم على الواقع إلا بعد ظهور النتائج لصالح المرشحين المستقلين.
فى عالم النوم، يغيب الوعى.. وعند الاستيقاظ تبدأ مناطق الوعى الأساسى فى الدماغ بالانتعاش أولاً، بينما تتأخر المناطق المسئولة عن الذاكرة قصيرة المدى والتوجيه المكانى لبضع ثوانٍ حاسمة قبل أن تصل إلى نشاطها الكامل، ما يسبب الارتباك المكانى.
هذا ما قالته دراسة عالمية حديثة.. لكن ما لن نراه فى دراسة محلية، أن بعض السياسيين يجدون أنفسهم فى حالة ارتباك مكانى طويل.. ولا يدركون محيطهم بسهولة إلا بعد الصدمة.
وبعض من كانوا على يمين السلطة، انقلبوا إلى يسارها، لدرجة أن قيادات أمنية سابقة ومرشحة فى الانتخابات (مرشحين مستقلين)، اشتكت من التدخلات ضدها، أو من تركها بلا غطاء، فآثرت الانسحاب من السباق.
فى الجيزة انسحب اللواء كمال الدالى، وفى المحلة بالغربية بث اللواء محمود الكمونى، فيديو يشكو فيه من غياب الرقابة على المال السياسى.
وفى المنوفية، تكرر الأمر مع اللواء العنانى حمودة، الذى أعلن فى بيان تضرره من التضييق على رجال حملته والتحفظ عليهم.
وإذا كان هذا حال قيادات أمنية سابقة، فكيف حال المرشحين الشباب؟
نقطة أخرى وهى أن كثيراً من المستقلين المحسوبين على أجهزة الدولة، أصابهم ارتباك كبير، لأنهم فوجئوا بالحشد ضدهم، لا لشىء إلا لأنهم تجرأوا على الترشح خارج الإطار، ولم يفيقوا من الصدمة حتى الآن.
كان سؤالهم المحير: «إذا كنا جميعنا نملك أرضية مشتركة من التوافق حول أهمية الحفاظ على الدولة ومؤسساتها، فلماذا لم يترك المجال من البداية، لينجح كل مرشح بذراعه؟».
المشهد برمته، يحتاج إلى قراءة جديدة، تتيح رسم خطوط المستقبل القريب للعمل السياسى والحزبى، لأن استمرار الارتباك المكانى ليس فى صالح أحد.
ليس فى الصالح على الإطلاق.