سفينة نوح والذكاء الاصطناعى
التعليم الجامعي في أزمة كبيرة وجوهرية خاصة الكليات النظرية في مقابل الكليات العملية حيث طغيان التكنولوجيا على جميع مناهج العلم والتعلم والدعوة المستمرة لإستخدام الكتاب الإلكتروني والملخصات الإلكترونية والمحاضرات على الويب والسبورة الذكية و الإختبارات الإختيارية أو ما يسمى" بابل شيت " صح وخطأ دون أي مهارات تعبيرية أو إبداعية ...كليات مثل آداب وحقوق وتجارة وإدارة بتخصصاتها المختلفة تعتمد كليا ًعلى هذه الوسائط الإلكترونية ومن ثم فأن الطلاب لا يدرسون ولا يتعلمون وإنما يعتمدون في دراستهم على التعليم الكبسولة المتوفر على النت، الإمتحانات السهلة التي تعتمد على الغش والأبحاث يستخلصونها من الذكاء الاصطناعي الذى يكتب لهم ما يرغبون؛ ويعتبرون هذا حقهم فمن أين يستوفون المعلومات لا يعترفون بالكتاب أو الأمانة العلمية و يعدون أنفسهم أكثر ذكاء وقدرة على الوصول إلى ما يريدون من المعلومات عن طريق الذكاء الاصطناعي الذي تحول إلى معلم وصديق ومدرب وموجهه وقام مقام الطالب أو الباحث إذا كان هناك مجالا لهذه الصفة الآن؟!
طلاب الكليات النظرية حتى اللغات والترجمة يلجأون إلى الترجمات الإلكترونية الجاهزة؛ والمشكة إن علماء وأساتذة علم الحاسبات والهندسة سعداء بطغيان هذه التقنية الحديثة ويقيمون لها المؤتمرات والندوات ويطلبون تعميم استخداماتها في التعليم كمستهلكين المعرفة والعلم وليس كمنتجين ومبدعين وتلك هي الكارثة .. سوف يتخرج محامي لا يعرف القانون ولا يكتب مذكرة ولا يترافع، وقاضي غاب عنه الجانب البشري والإنساني بعد أن تم استبداله بالآله وتلك التقنية الحاسوبية..أما المعلم والمترجم والمحاسب فتلك قضية ثانية تنطبق عليه ذات المعايير الإلكترونية ويغيب العلم والتطور بعد أن أصبح الطالب الخريج مجرد مستخدما وليس مبتكرا أو مفكرا أو مبدعا...
الكليات العلمية والتطبيقية قد تنجو من بعض مثالب الحوسبة والذكاء الاصطناعي ولكن القضية أنها أيضا تقع في مصيدة الإعتماد الكلي على ما يفرزه الغرب من تطورات وتقنيات ومنتجات واختراعات وقواعد وقوانين تخص البحث العلمي وذلك لأن الجامعات والمراكز البحثية لا تمتلك القدرة المالية والاقتصادية للإنفاق على البحث العلمي المتخصص الذي قد يصل إلى العالمية حتى الجامعات الخاصة والشراكات الدولية كلها تهتم بالإعداد والطلاب والشهادات وتترك قضية البحث العلمي و الابتكار لبعض المبادرات الفردية أو الشراكة المشروطة مع الجهات الأجنبية البحثية التي تحدد المشروعات سواء تابعة للاتحاد الأوروبي والبنك الدولي أو الأمم المتحدة أو أي جهة أو جامعة أجنبية هناك حدود و موضوعات محددة للشراكات البحثية بما يخدم مصالحهم وليس مجتمعاتنا…
التطور التقني هام ولكن يحتاج إلى تعليم من الصغر وإمكانيات ومدرسين ومعلمين ومدربين ومناهج جديدة وتقنيات وشبكة إتصالات صلبة، ومحتوى رقمي منضبط وثقافة وبعد اجتماعي ورقابة من البيت والمدرسة الواعية ثم ضرورة عودة الإختبارات الإبداعية المبتكرة مع الإلتزام بالأمانه و النزاهة العلمية ودعم الأبحاث العلمية والدراسات البينية الحديثة و الإنفاق ودور الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة والدولية في التعليم و البحث و الرقابة والنزاهة وليس مجرد تحقيق أرباح و منح شهادات وشراكات ظاهرية ..
القضية قد تبدو صعبة الحل و لكن مع الإدارة والتخطيط و الرقابة و المتابعة و تدريب المعلمين و تغيير و تطوير المناهج قد نستطيع وقف هذا الطوفان المسمى ب الذكاء الاصطناعي …سفينة نوح من الأمانة والنزاهة العلمية....