حوار مع الدكتور العشماوي عن "انقذوا شبابنا من شبح الطلاق"
الاستقامة على منهج الله أسباب زيادة الإيمان ومن صفات المتقين وطاعة الله من أسباب استقرار الحياة الزوجية، وتحدث الدكتور محمد العشماوي من علماء الأزهر الشريف وقال من أنواع الفقه المغفول عنها في هذا العصر، وبسبب إغفاله كثرت حوادث الطلاق في أشهر الزواج الأولى، إذ يدخل العروسان عش الزوجية وهما جاهلان بما لهما من حقوق وما عليهما من واجبات، وقد ضيعا فترة الخِطْبة في شراء مستلزمات بيت الزوجية، واختيار الألوان والأشكال والرسوم، ثم دخلا إلى الهيجاء بغير سلاح من علم أو فقه بحقوق كل منهما وواجباته!
وأكثر أسباب الطلاق اليوم - فيما عُرض عليَّ من وقائع -؛ سببها الجهل بهذا النوع من الفقه، كجهل المرأة بأن من حق زوجها عليه أن يمنعها من زيارة أهلها إذا لزم الأمر، وألا تفشي أسرار بيتها لأهلها، وكجهل الرجل بأن من حق زوجته عليه أن يأذن لها بزيارة أهلها، ما لم يتضرر بذلك، وبأن يسمح لها بالخروج من البيت للضرورة أو الحاجة!
وها أنا ألخص جملة من الحقوق والواجبات الزوجية المتبادلة، التي يُعَدُّ التقصير في معرفتها أحد أسباب الطلاق، ويلزم الزوجين معرفتها قبل الدخول.
فمن حق الزوج على زوجته أن تسمع له وتطيع في غير معصية، وأن تحترمه، وتوقره، وأن تكون أمينة عليه، فلا تخونه في نفسها وماله وعياله، وألا تأخذ شيئا من ماله خارج البيت أو تدخر لنفسها منه إلا بإذنه، وألا تُدخل بيته أحدا يكرهه، وألا تمنعه نفسها إن أرادها للمعاشرة، ما دامت صحيحة، ولها أن تعتذر بلطف إن كانت مُتْعَبَةً أو مُرْهَقَةً، ولا تتركه حتى يرضى، وألا تصوم تطوعا إلا بإذنه، وكذلك الحج والعمرة النافلة دون الفريضة، وأن تعامل أهله معاملة حسنة، وألا تخرج من بيتها إلا بإذنه، ولو للصلاة أو لزيارة مريض أو للتعزية في ميت، وأن تحافظ على شرفه وسمعته بين الناس، فلا تفعل ما يُعَيَّرُ به، وألا تقصر في خدمته ما استطاعت، وألا تكلفه فوق طاقته، ولا تحوجه إلى الناس!
ومن حق الزوجة على زوجها أن ينفق عليها - حسب استطاعته - في المطعم والمشرب والمسكن والكسوة والعلاج وسائر مستلزمات الحياة، وأن يحسن إليها في المعاملة، فلا يضربها ولا يهينها بالقول أو بالفعل، وأن يحافظ على مشاعرها، فلا يجرحها، وألا يهجرها إلا في البيت، وألا يمنعها زيارة أهلها إلا إذا أصابه من ذلك ضرر، وأن يساعدها إذا احتاجت أو يدبر لها من يساعدها إذا كانت ظروفه المادية تسمح بذلك، وألا يأخذ شيئا من مالها إلا عن طيب نفس منها، وأن يفي لها بحقوقها المالية، إلا إذا تنازلت عنها، وألا يمنعها حقها في الجماع، وأن يتعهدها بالنصيحة، ويأمرها بتقوى الله وأداء الفرائض واجتناب المعاصي، وأن يصونها عن أسباب المعصية، فلا يسمح لها بالتبرج، والاختلاط المستهر بالرجال الأجانب، ومحادثتهم من غير ضرورة، وأن يفي لها بما اشترطه على نفسه متى أمكنه الوفاء به!
وهذه الحقوق وغيرها مأخوذة من نصوص الشريعة المطهرة، نصا أو استنباطا، وكل حق يقابله واجب، وجماع هذا كله في قوله تعالى: "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجة"، وقوله تعالى: "وعاشروهن بالمعروف"، والمعروف ما عُرف حسنه من الشرع الشريف أو العرف الصحيح، فكل ما جدَّ في العرف من حقوق وواجبات يلزم الوفاء به، وذلك كاعتبار الشَّبْكة جزءا من المهر، ومشاركة الزوجة في تجهيز بيت الزوجية حسب الاتفاق، وقائمة المنقولات الزوجية، وعلاج الزوجة على نفقة زوجها، وخدمتها لزوجها، وغير ذلك مما جدَّ في العرف، واعتبره الشرع!
إن هذا النوع من الفقه - وهو فقه الحياة الزوجية - يجب أن يشيع بين المسلمين حتى نضيق دائرة الطلاق؛ فإنه حسب الإحصائيات الأخيرة فإن مصر تحتل المركز الثالث عالميا في نسبة الطلاق بعد الكويت والأردن، وتبلغ نسبة الطلاق في مصر نحو ٤٤% بواقع حالة طلاق كل أربع أو خمس دقائق، وهي نسبة مخيفة، تهدد نسيج المجتمع بالتفسخ!
يجب على وزارة الأوقاف وإدارة الوعظ بالأزهر أن يكثفا جهودهما في هذا الميدان، وأن يسلطا الضوء على ظاهرة الطلاق وكيف يمكن معالجتها، وأن يطبعا كتابا تحت عنوان (فقه الحياة الزوجية)، بطريقة أخاذة، تخاطب العقل والوجدان، ويوزعاه مجانا على كل المقبلين على الزواج، عن طريق المأذونين، إحياء لهذه الثقافة الميتة، التي لا تحيا إلا بعد وقوع المشاكل، فيضطر الزوجان إلى السؤال عن رأي الدين، والوقاية خير من العلاج، لو كانوا يعلمون!
بل يجب على الدولة أن تجند كل طاقاتها لمحاصرة ظاهرة الطلاق؛ فإن عواقبه وخيمة على الاجتماع والاقتصاد والسياسة، فتنشئ المراكز المتخصصة التي يتلقى فيها الشباب المقبل على الزواج - إلزامياً - دورات مكثفة عن فقه الحياة الزوجية، على أيدي اختصاصيين في علوم الشريعة والنفس والاجتماع والاقتصاد والتخطيط!
بل يجب على الدولة أن تسن قانونًا لذلك، فهذا الميثاق الغليظ ليس بأقل من دورات تعليم قيادة السيارات، لاستخراج رخصة القيادة، بل هو أولى، حتى يقود الزوجان سفينة الحياة وهما مؤهلان؛ حتى تصل إلى شاطئ الأمان!