بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

يوتيوب ينسحب من تصنيفات بيلبورد ويشعل الجدل حول عدالة قوائم الموسيقى

يوتيوب YouTube
يوتيوب YouTube

في خطوة مفاجئة تحمل أبعادًا تتجاوز مجرد الأرقام، أعلنت منصة يوتيوب أنها ستتوقف عن مشاركة بيانات المشاهدات والاستماع مع مجلة بيلبورد، ما يعني عمليًا استبعاد بيانات يوتيوب من احتساب قائمة Billboard Hot 100 وباقي التصنيفات الموسيقية الشهيرة. السبب المعلن من جانب يوتيوب هو اعتراضها على آلية احتساب التصنيفات، والتي ترى المنصة أنها لا تعكس عدالة حقيقية بين نماذج الاستماع المختلفة.

جوهر الخلاف يتمحور حول الطريقة التي تُقيّم بها بيلبورد الاستماع عند الطلب. فالمجلة تمنح وزنًا أكبر للاستماع عبر خدمات البث المدفوعة مقارنة بالاستماع عبر المنصات المدعومة بالإعلانات، وهو ما يضع يوتيوب، باعتبارها أكبر منصة بث موسيقي مجانية مدعومة بالإعلانات في العالم، في موقع أقل تأثيرًا داخل التصنيفات، رغم الحجم الهائل لاستخدامها.

هذا القرار يعيد إلى الواجهة سؤالًا قديمًا متجددًا: ما الذي تعنيه تصنيفات الموسيقى اليوم؟ فكما هو الحال مع قوائم الكتب الأكثر مبيعًا، لم تعد قوائم بيلبورد تحمل نفس الثقل الذي كانت تحظى به قبل عقد أو عقدين. في عصر الاستهلاك الرقمي والمحتوى عند الطلب، لم تعد المبيعات وحدها مؤشرًا دقيقًا على الشعبية أو التأثير الجماهيري.

بيلبورد نفسها اعترفت بهذا التحول منذ سنوات، حين بدأت في عام 2007 إدخال بيانات البث الرقمي ضمن معاييرها، محاولة مواكبة التغير في سلوك المستهلكين. ومؤخرًا، أعلنت المجلة عن تعديلات جديدة على طريقة احتساب الاستماع، من المقرر تطبيقها بدءًا من يناير 2026، بهدف عكس النمو المتزايد في عائدات البث وتغير أنماط الاستماع عالميًا.

حاليًا، تحتسب بيلبورد ما يُعرف بـ “وحدة استهلاك الألبوم” على أساس بيع ألبوم واحد، أو ما يعادله من الاستماع الرقمي. ووفق النظام الحالي، تعادل هذه الوحدة 3750 استماعًا مدعومًا بالإعلانات، أو 1250 استماعًا عبر اشتراكات مدفوعة، سواء كانت صوتية أو مرئية. أما النظام الجديد، فسيخفض هذا الرقم إلى 2500 استماع مدعوم بالإعلانات، أو 1000 استماع مدفوع.

بيلبورد أوضحت أن هذا التغيير يعني أن عدد مرات الاستماع المطلوبة لمعادلة وحدة ألبوم سينخفض بنسبة 33.3% في حالة البث المدعوم بالإعلانات، وبنسبة 20% في حالة البث المدفوع. وبعبارة أخرى، الاتجاه العام يصب بالفعل في مصلحة منصات مثل يوتيوب، لكن يبدو أن وتيرة التغيير لا تزال أبطأ مما تريده المنصة.

من جانبها، تصف يوتيوب قرار سحب بياناتها بأنه دفاع عن العدالة والمساواة في تمثيل المنصات المختلفة داخل التصنيفات الموسيقية. إلا أن هذا الموقف لا ينفصل عن رغبة يوتيوب الواضحة في تعزيز نفوذها داخل صناعة الموسيقى. فالمنصة لا تكتفي بضخ مليارات الدولارات سنويًا لصالح الفنانين وشركات الإنتاج من عائدات الإعلانات والاشتراكات، بل تسعى أيضًا إلى أن تكون لاعبًا أساسيًا في صناعة النجومية نفسها.

في بيانها الرسمي، أكدت يوتيوب التزامها بما وصفته بـ “التمثيل العادل عبر القوائم الموسيقية”، معربة عن أملها في التوصل إلى تفاهم مع بيلبورد يسمح بعودة بياناتها إلى التصنيفات مستقبلًا. وحتى يحدث ذلك، دعت المنصة المستخدمين للاطلاع على قوائمها الخاصة لمعرفة الأغاني والفنانين الأكثر انتشارًا على يوتيوب.

اللافت في هذه الأزمة أنها تكشف صراعًا أعمق بين نماذج الأعمال المختلفة داخل صناعة الموسيقى. فبينما تعتمد بعض المنصات على الاشتراكات المدفوعة كمصدر رئيسي للإيرادات، يراهن يوتيوب على نموذج الوصول المجاني المدعوم بالإعلانات، وهو نموذج يحقق انتشارًا أوسع، خصوصًا في الأسواق الناشئة.

في النهاية، قد لا يتأثر المستمع العادي كثيرًا بخروج يوتيوب من معادلة بيلبورد، لكنه مؤشر واضح على أن معايير النجاح الموسيقي باتت محل نزاع. ومع استمرار تطور طرق الاستماع، يبدو أن قوائم التصنيف نفسها ستظل في حالة إعادة تعريف مستمرة، وسط شد وجذب بين المنصات الكبرى حول من يملك حق تحديد ما هو “الأكثر شعبية” فعليًا.