بـ 105 مليارات دولار
أوروبا تمول أوكرانيا بعد سقوط خطة الأصول المجمدة
اتفق القادة الأوروبيون فى وقت مبكر امس على إبقاء أوكرانيا ممولة لمدة عامين عبر قرض ضخم بقيمة 90 مليار يورو، أى ما يعادل نحو 105 مليارات دولار، وذلك بعد فشلهم فى التوصل إلى اتفاق حول خيارهم المفضل سابقا القائم على استخدام الأصول الحكومية الروسية المجمدة فى أوروبا كضمان لهذا القرض.
وجاء القرار عقب قمة متوترة عقدت فى بروكسل، حيث انهارت فى اللحظات الاخيرة خطة طموحة كانت تهدف إلى الاستفادة من نحو 210 مليارات يورو من الأصول الروسية المجمدة داخل القارة. وأظهر هذا الانهيار حجم الانقسام داخل الاتحاد الأوروبى فى لحظة سياسية ومالية بالغة الحساسية، كادت تعطى انطباعا بتردد أوروبى فى وقت حاسم بالنسبة لأوكرانيا.
وبديلا عن ذلك، أعلن القادة الأوروبيون أنهم سيوفرون قرضا مدعوما مباشرة من ميزانية الاتحاد الأوروبى. وبما أن هذه الصيغة الجديدة لا تعتمد على الأموال الروسية المجمدة، فمن المرجح أن تكون أكثر كلفة على الدول الأوروبية، كما قد تكون أقل مرونة من حيث التوسع السريع مقارنة بالخطة الاصلية. ومع ذلك، اعتبرها المسئولون كافية لتأمين التمويل الضرورى لكييف فى المرحلة الحالية.
وقال أنطونيو كوستا رئيس المجلس الأوروبى فى مؤتمر صحفى عقد فجر أمس الجمعة فى بروكسل إن الاتفاق الجديد سيلبى الاحتياجات المالية العاجلة لأوكرانيا، مؤكدا فى الوقت نفسه أن الاتحاد الأوروبى لا يزال يحتفظ بحقه فى استخدام الأصول الروسية المجمدة فى المستقبل. وكانت الدول الأوروبية قد اتخذت فى الاسبوع الماضى خطوات لتجميد تلك الأصول إلى أجل غير مسمى.
ويأتى هذا التمويل فى لحظة مفصلية، إذ تخوض أوكرانيا مفاوضات حساسة مع الولايات المتحدة حول شروط السلام المحتملة، بينما تشير التقديرات إلى أن كييف قد تبدأ فى نفاد مواردها المالية مع مطلع عام 2026. ولهذا السبب وصف مسئولون أوروبيون الاتفاق بأنه ضرورى ليس فقط لدعم أوكرانيا، بل أيضا لإثبات أن الاتحاد الأوروبى لا يزال فاعلا رئيسيا على الساحة العالمية.
ورحب الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى بالقرار، معتبرا إياه دعما كبيرا يعزز قدرة بلاده على الصمود. وكتب فى منشور على منصة اكس أن من المهم أن تبقى الأصول الروسية مجمدة، وأن تحصل أوكرانيا على ضمان مالى وأمنى للسنوات المقبلة.
وعلى مدى أشهر، راهن القادة الأوروبيون على تجاوز التحفظات البلجيكية للتوصل إلى اتفاق يسمح باستخدام الأصول الروسية المجمدة لدعم قرض كبير يغطى جزءا واسعا من نفقات الدولة والحرب فى أوكرانيا خلال عامى 2026 و2027. لكن هذه الخطة كانت محفوفة بالمخاطر منذ بدايتها، إذ شرعت روسيا بالفعل فى اتخاذ خطوات قانونية ضد ما تصفه بالاستيلاء غير المشروع على أصولها.
وظلت بلجيكا، التى تحتفظ بمعظم هذه الأصول داخل أوروبا، غير مقتنعة حتى اللحظات الاخيرة قبل اجتماع الخميس، خشية أن تتحمل تبعات أى رد روسى محتمل. أما الضمانات التى طالبت بها بروكسل للحماية من تلك المخاطر، فقد اعتبرتها دول أوروبية اخرى مفرطة ولا يمكن قبولها بسرعة.
وفى خلفية هذا الجدل، يسعى الأوروبيون إلى ضمان دور لهم فى رسم ملامح نهاية أكبر حرب تشهدها القارة منذ ثمانين عاما، وكذلك فى صياغة ترتيبات السلام اللاحقة. إلا أن إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب والكرملين استبعدا أوروبا مرارا من المباحثات المباشرة حول مستقبل أوكرانيا.
بل إن إدارة «ترامب» عبرت مؤخرا عن نظرة شديدة السلبية تجاه الاتحاد الأوروبى، محذرة فى وثيقة للاستراتيجية الامنية القومية من أن أوروبا تواجه ما وصفته بمحو حضاري، واتهمت التكتل الأوروبى بتقويض الحريات السياسية والسيادة الوطنية، وبالسماح بالهجرة غير المنضبطة، ووضع القارة على مسار قد يجعلها غير قابلة للتعرف عليها خلال عشرين عاما أو أقل.
ويرى مراقبون أن الاسابيع التى قضاها القادة الأوروبيون فى الجدل حول خطة الأصول المجمدة، قبل انهيارها فى النهاية، قد تعزز الانطباع العالمى بأن الهيكل المعقد للاتحاد الأوروبى وتعدد مراكزه وصراعاته الداخلية لا تزال تعيق اتخاذ قرارات سريعة، حتى فى أوقات الازمات الحادة.
كما شكل فشل الخطة ضربة سياسية لكل من المستشار الألمانى فريدريش ميرز ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، وكلاهما كان من أبرز الداعمين لاستخدام الأصول الروسية المجمدة. ومع ذلك، شدد القادة الأوروبيون على أن الخطة البديلة تحقق الهدف الاساسى، مؤكدين أن أوكرانيا لن تكون مطالبة بسداد القرض إلا فى حال دفعت روسيا تعويضات.
وقال «ميرز» فى بيان إن هذا القرار يبعث برسالة حاسمة لإنهاء الحرب، مضيفا أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لن يقدم تنازلات حقيقية إلا عندما يدرك أن حربه لن تحقق له مكاسب.