بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

الزاد

مصر السند.. السودان الجغرافيا والتاريخ

فى لحظات الاختبار الكبرى، لا تُقاس مواقف الدول بما تقوله فقط، بل بما ترسمه من خطوط لا تسمح بتجاوزها، وبما تتحمله من أعباء دفاعًا عن جوارها وأمنها القومى ومصير الشعوب الشقيقة. ومن هذا المنطلق، جاء الموقف المصرى واضحًا وحاسمًا: السودان لن يُقسَّم، ولن يُترك فريسة للفوضى، وأى ضرر يمس وحدته أو شعبه هو مساس مباشر بالأمن القومى المصرى.
مصر، التى لم تنظر يومًا إلى السودان باعتباره ملفًا خارجيًا عابرًا، تؤكد من جديد أن ما يجرى على الأرض السودانية ليس شأنًا داخليًا منفصلًا، بل قضية مصير مشترك، وجغرافيا واحدة، وتاريخ ممتد، وأمن لا يقبل التجزئة. فالسودان بأرضه وشعبه ومؤسساته هو خط أحمر لا تحتمل مصر الاقتراب منه أو العبث به.
وفى هذا السياق، تحمل زيارة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان إلى القاهرة، ولقاؤه مع الرئيس عبدالفتاح السيسى يوم الخميس، دلالة سياسية بالغة الأهمية، إذ تمثل تأكيدًا عمليًا على التنسيق التام والمستمر بين الدولتين على أعلى المستويات، وتبعث برسالة واضحة بأن القاهرة والخرطوم تتحركان برؤية مشتركة فى مواجهة التحديات المصيرية التى تمر بها السودان، بعيدًا عن أى مسارات مفروضة أو حسابات ضيقة.
لقد عبّرت القاهرة بوضوح عن قلقها البالغ إزاء ما تشهده الساحة السودانية من تصعيد دموى وانتهاكات جسيمة بحق المدنيين، خاصة فى الفاشر وغيرها من المناطق المنكوبة، مؤكدة أن استمرار هذا المسار لا يهدد السودان وحده، بل يفتح أبواب الفوضى فى الإقليم بأسره. ومن هنا، كان التأكيد المصرى الصريح على أن وحدة السودان وسلامة أراضيه غير قابلة للتفاوض، وأن أى محاولات لفرض واقع تقسيمى، أو إنشاء كيانات موازية، أو تقويض مؤسسات الدولة، هى محاولات مرفوضة جملةً وتفصيلًا.
مصر، التى تدرك أن انهيار الدول يبدأ من تفكيك مؤسساتها، شددت على أن الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية هو صمام الأمان الأخير، وأن المساس بها يعنى دفع السودان إلى المجهول. ولهذا، فإن القاهرة لا تتحدث من موقع المتفرج أو الوسيط البارد، بل من موقع الشريك المسؤول، الذى يمتلك الحق الكامل، وفقًا للقانون الدولى واتفاقيات الدفاع المشترك، فى حماية أمنه القومى حين يكون مهددًا.
وفى الوقت ذاته، لا تنفصل الصرامة المصرية عن مسار السلام. فالقاهرة تؤكد انخراطها الكامل فى الجهود الدولية، والعمل ضمن إطار الرباعية، من أجل التوصل إلى هدنة إنسانية حقيقية، تفضى إلى وقف شامل لإطلاق النار، وفتح ممرات آمنة، وتوفير الحماية للمدنيين السودانيين، بالتنسيق الكامل مع مؤسسات الدولة السودانية الشرعية، لا على حسابها.
هكذا كانت مصر دائمًا.. سندًا لا يساوم، وشقيقًا لا يتخلى، ودولة تعرف متى تقول نعم للسلام، ومتى تقول لا بحزم حين يُهدَّد الأمن والكرامة ووحدة الأوطان. والسودان، شعبًا وأرضًا ودولة، سيبقى فى وجدان مصر وقرارها خطًا أحمر لا يُمس.