الادعاء الزائف عن الشعب المختار
شاهدت وسمعت فيديو فى إحدى وسائل التواصل الاجتماعى بعنوان The false crown of superiority
ولجرأة وشفافية الحديث، قمت بتحويله إلى نص كتابى وترجمته إلى اللغة العربية، ويقول المتحدث:
الأيديولوجيا الخطيرة لفكرة «الشعب المختار»، تحذير إلى العالم.
منذ فجر التاريخ، بررت الإمبراطوريات حكمها بحكايات عن فضل إلهى، ملوك ادّعوا أنهم مُعيّنون من السماء، مستعمرون وصفوا أنفسهم بأنهم «متحضرون» عن شعوب أقل منهم، فاشيون أعلنوا تفوق عرقهم. ودائماً كان العالم يدفع الثمن بالدم، واليوم نواجه الخطر نفسه من جديد. يتحدث العهد القديم عن «شعب مختار»، وعهد مع إسرائيل: «ستكونون أمة مميزة فوق جميع الأمم». لكن فى النص نفسه هناك أيضاً أمر: «أحبوا الغريب، لأنكم كنتم غرباء فى كل بلد». مختارون نعم، ولكن مختارون للمسئولية لا للتفوق، مختارون للعدل، لا للغرور، مختارون لتكونوا نوراً للأمم، لا ظلاً عليهم. إلا أن هذا التعليم قد تم تحريفه، تحوّل إلى أيديولوجيا تمنح الامتياز. ما كان عبئاً صار سلاحاً، وما كان أسلوباً للعدل أصبح مبرراً للهيمنة. واليوم تقف دولة إسرائيل دليلاً حياً على هذا التشويه. يسمّون أرضهم “الموعودة”، يعلنون أنهم “ضحايا أبديون”، رغم تصرفاتهم كغزاة، يطلبون التعاطف مع آلامهم بينما يُوقعون معاناة لا تُحتمل على ملايين البشر. هذا هو سمّ التفوق. يقنع شعباً بأن دمه أرقى، وأن حزنه أثقل، وأن بقاءه أهم من بقاء أى أحد آخر. يمنحهم الحق لبناء الجدران والحواجز، لخنق مدن كاملة، لإسقاط القنابل على البيوت والمدارس والمستشفيات، ثم الادعاء بأنهم على حق. لكن التوراة نفسها تحذرهم: لا تظلموا الغريب، فأنتم كنتم غرباء، لا تصبحوا ظالمين، فقد تعرضتم للظلم من قبل. ومع ذلك يتم تجاهل هذه الكلمات ومسحها واستبدالها براية زائفة اسمها “الاختيار للتفوق”. انظروا إلى الأدلة، منذ عام ١٩٦٧، تحتل إسرائيل غزة والضفة الغربية، رغم عشرات قرارات الأمم المتحدة التى تعلن المستوطنات غير قانونية. لا يتوقف التوسع، لماذا؟: لأنهم يعتقدون أن لا أحد غيرهم يستحق تلك الأرض. الفصل العنصرى أصبح واقعاً، منظمة العفو الدولية، «هيومن رايتس ووتش»، وحتى منظمة «بتسيلم» الإسرائيلية وصفته بما هو عليه: أبارتهايد، قانون لليهود، وقانون آخر للفلسطينيين، طرق منفصلة، حياة منفصلة، حقوق منفصلة. تُشن الحروب باسم «البقاء»، لكن البقاء لا يعنى قصف مخيمات اللاجئين، لا يعنى تحويل غزة إلى ركام، لا يعنى تجويع الملايين خلف الجدران، هذه ليست أفعال بقاء، بل أفعال سيطرة. وعبر حدود إسرائيل تنتشر هذه الأيديولوجيا، تضغط على الحكومات، تطالب بمليارات من المساعدات العسكرية، وتُسكت المنتقدين باتهامهم بمعاداة السامية. تتحول فكرة «الاختيار» من معتقد إلى سلاح، والتاريخ يخبرنا ما يحدث بعد ذلك. الرومان ادعوا الحق الإلهى حتى أغرقوا العالم بالدم. المستعمرون أعلنوا تفوقهم وتركوا خلفهم قروناً من العبودية والاستغلال، الفاشيون ادعوا أنهم «عرق سيد» وأعطونا حرباً عالمية وإبادة جماعية. كل مرة سمح فيها العالم لشعب أن يعلن نفسه «مختاراً فوق الجميع» انتهى الأمر بالنار والخراب. لذلك أقول لكم إن هذا ليس صراعاً فلسطينياً فقط، ولا عربياً فقط، إنه صراع إنسانى. لأن العالم إذا قبل أن أمة ما تستخدم النصوص لتبرير التفوق، فلن يبقى للقانون معنى. وإذا سمحنا بتفوق شعب واحد فى أرض واحدة، فسيتبعه آخرون. ستنهض أمم أخرى تدعى الاختيار، وتستخدم الإيمان كسلاح، وتطأ الضعفاء، وعندها لن تحمى الحدود أحداً، ولن تحفظ المعاهدات أحداً، ولن يكون أى شعب آمناً. لم تُعطَ التوراة لتقديس الغرور، بل لفرض العدل، لكن العدل يموت عندما يتحول الإيمان إلى سلاح للهيمنة. لذلك فليكن الكلام واضحاً: لا يوجد شعب مختار فوق آخر، لا توجد أمة أكثر إنسانية من أخرى، لا دم أحمَر أكثر من غيره، لا حزن أثقل من غيره، لا طفل أغلى من غيره. يجب أن يستيقظ العالم، يجب أن نزيل رداء التفوق الزائف، يجب أن نعلن معاً أن كل حياة متساوية، وكل شعب متساوٍ، وكل أمة متساوية. وليكن هذا تحذيراً: إذا لم تنهض الإنسانية ضد هذا التحريف للدين، فسيُستخدم الدين سلاحاً حتى يصبح كل واحد منا هدفاً. هذه هى الحقيقة، هذا هو الخطر، وهذا هو النداء، قفوا الآن أو ستسقطون لاحقاً.
محافظ المنوفية الأسبق