بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

نبض الكلمات

الغلاء والصمت في الشارع المصري

لم يعد ارتفاع الأسعار في مصر مجرد أزمة اقتصادية عابرة، بل تحول إلى واقع يومي خانق يضغط على الأسرة المصرية حتى آخر أنفاسها ، فبين راتب ثابت لا يتحرك، وأسعار تقفز بلا سقف، تجد الأسرة نفسها في معركة بقاء، لا رفاهية فيها ولا أمان.
في كل بيت مصري حتي الأغنياء والفقراء الذين أصبحوا أكثر فقرا، تغيرت الأولويات قسرا، فلم يعد السؤال: ماذا نريد؟ بل أصبح: ماذا يمكننا الاستغناء عنه؟ اللحم غاب عن الموائد، الفاكهة صارت ترفا، والملابس تؤجل، والعلاج يحسب بالقطعة، الأم تحسب الجنيهات قبل أن تخرج للسوق، والأب يعمل أكثر من وظيفة ليحافظ على الحد الأدنى من الحياة، بينما يقف الأبناء شهودا على قلق دائم يسكن الجدران.
غلاء المعيشة لم يضرب الجيوب فقط، بل أصاب النسيج الاجتماعي في مقتل ،التوتر داخل الأسر ارتفع، الخلافات زادت، وحالات الإحباط والاكتئاب تمددت بصمت ، شباب عاجزون عن الزواج، وأسر مهددة بالانزلاق إلى الفقر المدقع، وطبقة متوسطة تتآكل يوما بعد يوم، حتى كادت تختفي ، والمجتمع بدوره يدفع الثمن ،حين تنشغل الأغلبية بتأمين لقمة العيش، تتراجع القيم، ويضعف الانتماء، ويصبح الغضب الصامت لغة الشارع ، يشعر المواطن أن جهده لا يكافئه، وأن الأمل مؤجل، وأن المستقبل غامض، فتسود حالة من اللامبالاة القاتلة أخطر من الغضب نفسه.
إن مواجهة غلاء المعيشة لا تكون بالشعارات، بل بسياسات حقيقية تحمي محدودي الدخل، وتضبط الأسواق، وتعيد التوازن بين الأجور والأسعار، فاستقرار الأسرة هو أساس استقرار المجتمع، وإذا انهار البيت المصري تحت وطأة الغلاء، فلن ينجو أحد من ارتدادات الأزمه ، فغلاء المعيشة ليس رقما في بيان اقتصادي، بل وجع يومي في بيت كل مصري..وجع يستحق أن يُسمع قبل أن يتحول الصمت إلى انفجار.
لم يعد الإحباط في الشارع المصري حالة نفسية عابرة، بل أصبح شعورًا عامًا يتقاسمه الناس دون اتفاق. السبب واضح ومباشر،ارتفاع جنوني في الأسعار التهم الأخضر واليابس، وحوّل حياة المواطن إلى سباق يومي من أجل البقاء. لم يعد السؤال كيف نعيش أفضل، بل كيف ننجو حتى نهاية الشهر، وكيف نوفّر لقمة عيش لا تزداد كلفتها مع كل صباح فالغلاء لم يضرب الكماليات فقط، بل اقتحم الضروريات بلا استئذان. الطعام، الدواء، المواصلات، فواتير الكهرباء والمياه، وحتى أبسط متطلبات الحياة، كلها ارتفعت دفعة واحدة، بينما ظل الدخل ثابتًا أو يتآكل بصمت. المواطن يعمل أكثر، يتعب أكثر، لكنه يحصل على أقل، وكأن جهده يُستنزف في معركة خاسرة ضد أرقام لا ترحم ، وفي ظل هذا الواقع، انشغل المواطن عن كل شيء آخر، السياسة تراجعت إلى الهامش، القضايا العامة صارت رفاهية، والأحلام الكبيرة اختفت، الأولوية أصبحت لتأمين اليوم قبل الغد، والبحث عن عمل إضافي بعد انتهاء العمل الأساسي، أو التفكير في الهجرة، أو تقليص الاحتياجات إلى الحد الأدنى. هكذا تحوّل المجتمع إلى أفراد مرهقين، كلٌّ منهم منشغل بمعركته الخاصة ، والأخطر أن هذا الضغط الاقتصادي ترك أثره العميق على النسيج الاجتماعي ، التوتر داخل البيوت ازداد، الخلافات الأسرية تصاعدت، والصبر صار عملة نادرة ، المواطن لم يعد غاضبا فقط، بل محبطا، والإحباط حين يطول يتحول إلى لا مبالاة، ولا مبالاة المجتمع أخطر من غضبه ، والدولة قد تتحدث عن أرقام ونسب ومؤشرات، لكن الشارع لا يشعر إلا بما يدفعه من جيبه ، حين يعجز المواطن عن التخطيط لمستقبله، وحين يصبح الغد أكثر غموضًا من اليوم، تتآكل الثقة، ويتراجع الإحساس بالأمان. الاقتصاد هنا لا يُقاس بالجداول، بل بقدرة الناس على العيش بكرامة.
رئيس لجنة المرأة بالقليوبية وسكرتير عام اتحاد المرأة الوفدية
[email protected]