حين لا يكون الترفيه والحفلات دليلا ً على الحرية
في السنوات الأخيرة، جرى تسويق مشهد جديد للمجتمع السعودي؛ حفلات، مواسم ترفيه، فعاليات صاخبة، وصور تُبث للعالم باعتبارها دليلا ً على “تحرر” المجتمع وانفتاحه. لكن السؤال الجوهري الذي يجب أن يُطرح بهدوء هو:
هل الحرية تُقاس بما يُسمح لك أن تراه، أم بما يُسمح لك أن تقوله؟
الخلط المتعمد بين الترفيه والحرية ليس بريئا ً. فالحرية ليست مسرحا ً، ولا حفلا ً، ولا قرارا ً إداريا ً يمنح أو يُسحب. الحرية منظومة متكاملة، تبدأ من حق السؤال، وتمر بحق الاعتراض، وتنتهي بضمان ألا يُعاقب الإنسان لأنه فكّر أو عبّر أو رفض.
ما جرى في السعودية لم يكن مسارا ً تصاعديا ً نابعًا من المجتمع، بل تحولا ً من أعلى، موجها ً بعناية، ومُدارا ً بدقة. انفتاح اجتماعي محسوب، يقف عند حدود لا يُسمح بتجاوزها، ويمنح أنماط حياة جديدة دون أن يمنح حق القرار أو المشاركة الحقيقية في صياغة المجال العام.
السماح للمرأة بقيادة السيارة كان خطوة مهمة شكلا ً، لكنه لم يكن ثمرة نضال مجتمعي، ولا اعترافا ً بحق طبيعي متأخر، بل قرارا ً سياديا ً في إطار مشروع أوسع لإعادة تشكيل الصورة العامة. القرار في ذاته ليس موضع جدل، إنما الإشكال في تقديمه باعتباره دليلا ً على اكتمال الحرية، بينما لا تزال مساحات التعبير، والنقد، والعمل العام، محاطة بقيود صارمة لا تخطئها العين.
مواسم الترفيه بدورها لا تعكس تحررا ً بقدر ما تعكس إعادة صياغة للهوية العامة بما يخدم صورة الدولة خارجيًا، واقتصادها داخليًا. لا اعتراض على الترفيه كحق إنساني، لكن الخطورة تظهر حين يتحول إلى ستار براق، أو إلى أداة تُستخدم لتجميل واقع لم يتغير في جوهره، أو لإعادة تعريف المسموح والممنوع بطريقة أكثر نعومة لا أكثر عدلا ً.
ومن هنا، يصبح سلوك بعض القائمين على هذا الملف كاشفا ً لطبيعة المشهد. فحين تُستخدم المنصات الترفيهية للإساءة لدول أخرى، أو لشعوب لها تاريخها وثقلها، كما يحدث مرارا ً تجاه مصر والمصريين، فنحن لا نكون أمام “انفتاح”، بل أمام فقدان واضح للبوصلة. فمصر ليست طرفا ً في موسم، ولا ضيفا ً على حفلة، ولا مادة للسخرية العابرة. مصر دولة ذات حضارة ممتدة، وثقل سياسي وتاريخي لا يُقاس بعدد المتابعين ولا بحجم العروض.
الحرية الحقيقية لا تحتاج إلى مهرجانات لتثبت وجودها، ولا إلى إسكات الآخرين لتبدو قوية. الحرية تُقاس بقدرتك على احترام المختلف، وعلى تقبل النقد، وعلى الفصل بين الترفيه والمسؤولية.
ما يحدث ليس طريقا ً نحو حرية أوسع، بل إعادة تعريف للقيود في صورة أكثر بريقا ً. والفرق بين المجتمع الحر والمجتمع المُدار، أن الأول يملك صوته، بينما الثاني يُمنح ما يُراد له أن يراه فقط.