بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

تصحيح مسار

«حظر» أستراليا.. هل يمكن تطبيقه فى مصر؟

قرأت فى الأيام الماضية خبرا شدنى كثيرا ولفت انتباهى عن حظر السوشيال ميديا لدون السادسة عشر فى أستراليا، فلم تعد وسائل التواصل الاجتماعى مجرد أدوات للتواصل، بل أصبحت جزءا أساسيا ومسيطرا على حياة الكبار والصغار على حد سواء، ومع تصاعد المخاوف العالمية بشأن تأثيرها السلبى على الصحة النفسية والنمو الاجتماعى للأطفال والمراهقين، اتخذت أستراليا خطوة جريئة بإعلان حظر استخدام منصات السوشيال ميديا على من هم دون السادسة عشرة، هذا القرار يفتح مجالا واسعا وملحا حول إمكانية تطبيق هذا القرار فى منطقتنا العربية، وتحديدا فى مصر، وحول جدوى تطبيق مثل هذا الحظر، وحول تبنى مجتمعاتنا، التى تعيش تحولا رقميا سريعا، ومع هذه الخطوة، لا بد  من ضرورة التعرف على الإيجابيات والسلبيات التى قد تؤثر على أبنائنا دون السادسة عشرة.

أما تطبيق حظر السوشيال ميديا على من هم دون السادسة عشرة في مصر فهو يواجه تحديات أكبر مقارنة بدولة مثل أستراليا، وذلك لصعوبة فرض وتتبع وتنفيذ هذا القانون على نطاق سكانى واسع فى مجتمع سريع النمو ومتنوع، يتميز بالكثافة السكانية العالية وصعوبة الرقابة الدقيقة، وأيضا الانتشار الواسع لأجهزة الكمبيوتر والموبايل المتوفرة بسهولة فى معظم الأسر كوسائل ترفيهية أو تعليمية، والتى من خلالها يتم استخدام السوشيال ميديا أحيانا فى  العملية التعليمية أو للوصول إلى معلومات فورية، مما يجعل فصلها صعبا.

وهنا نجد أن تطبيق الحظر مستبعد بشكل كبير فى الوقت الحالى، على أقل تقدير، ومن الممكن الاكتفاء بفرض قيود أكثر صرامة على منصات التواصل الاجتماعى وتطبيقاتها بدلا من حظر المستخدمين بشكل مباشر.

كما أن المراهقون والأطفال، وخاصة فى مصر، يتسمون بذكاء رقمى كبير، وفى حال فرض حظر، ستظهر طرق للتحايل، كاستعارة أو استخدام حسابات الأهل باستخدام هوية الوالدين لإنشاء أو استخدام الحسابات، أو إنشاء بريد إلكترونى بتاريخ ميلاد مزيف بتغيير العمر عند التسجيل للالتفاف على شرط السن الأدنى، وفى بعض الأحيان يتم استخدام شبكات أو تطبيقات تخفى النشاط عن الوالدين، كما يمكن الاعتماد على الأصدقاء الأكبر سنا عن طريق استخدام هواتف أو أجهزة الأصدقاء الذين تجاوزوا السن القانونى.

إن الحظر القانونى ليس سوى إجراء علاجى، لكن الحل الجذرى يكمن فى التوعية والتربية، والذى يدعمه دور الأسرة فى الرقابة الواعية، وتعليم الأطفال كيفية التمييز بين المحتوى الجيد والضار، بدلا من المنع المطلق، ووضع حدود زمنية واضحة عن طريق تحديد أوقات محددة لاستخدام أجهزة الكمبيوتر أو الموبايل، وهنا ياتى أهم الأدوار وهو المشاركة مع الأبناء بدلا من التجسس عليهم، كالجلوس مع الطفل لمعرفة ما يفعله على السوشيال ميديا ومناقشته فيه.

أما دور المجتمع والمؤسسات التعليمية فتكمل دور الأسرة، من خلال التوعية فى المدارس،  كوضع حصص عن  لأخلاق الرقمية ومخاطر التنمر الإلكترونى.

وختاما.. يمكن أن نقول إن القرار الأسترالى بحظر السوشيال ميديا على من هم دون السادسة عشر هو جرس إنذار عالمى يدفعنا للتفكير بعمق فى مستقبل أطفالنا، وفى مصر، بدلا من السعى خلف حظر قد يصعب تطبيقه ويسهل التحايل عليه، يجب أن تتركز جهودنا نحو الاستثمار في الوعى الرقمى، والحماية الحقيقية لأطفالنا ليست فى إبعادهم عن الشاشة، بل فى تزويدهم بالحصانة الداخلية لتمييز الخطر وإدارة وقتهم بمسئولية، إنها معركة لا يمكن أن يخوضها القانون وحده، بل تتطلب تضافر جهود الأسرة والمدرسة والمؤسسات، لضمان أن يكون هذا الجيل الرقمى مستهلكا واعيا وقادرا على استخدام التكنولوجيا بمسئولية وإيجابية.

[email protected]