بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

ورد وشوكولاتة

يظل الناقد حائرًا فى مدخله النقدى وتحليله الفنى للأعمال الأدبية والفنية حول ذلك السؤال الملح الغامض المحير عن ماهية الفن وهل هو محاكاة صماء للواقع أم أنه إعادة صياغة لما ينبغى أن يكون عليه هذا الواقع المؤلم المر، فهناك من يرى أن الفن هو استنساخ فوتوغرافى يتطابق مع مجريات الأحداث الواقعية وملامح الشخصيات وتكوينها الخارجى وبنائها النفسى، وفى ذلك انتقاصٌ من قيمة ومكانة المبدع فلا مجال لنقل واقع كامل له خالق وملامح وأقدار خاصة لا يمكن ذات محاكاته وإدراكه ومعرفة أسبابه، لذا فإن الفن الحقيقى هو ذلك الإبداع الجديد لواقع نعيشه فى قالب يمزج بين الأخيلة والواقعية، بين الانتقاء والاختيار حيث الفن له معطيات الواقع الإنسانى لكن عبر أطر فنية وجمالية إبداعية مغايرة للواقع تعيد رسم وصياغة صور إنسانية ومواقف بشرية وأقدار غامضة بملامح متغيرة ونفوس مركبة، من هنا يبرز ويظهر معنى ومفهوم الإبداع الفنى والأدبي.
ولأننا نعانى من فقر إبداعى وفكرى. لموضوعات جديدة فإن العديد من الكتاب والمنتجين يلجأ إلى قصص وأحداث واقعية تصاغ فى قوالب فنية جديدة ما بين إعادة تقديم فيلم عن سيدة الغناء العربى أم كلثوم بنجوم وإنتاج ضخم وذلك الصراع الدائر حول مطابقة الصورة الفنية للصورة الأصلية الواقعية نجد أن قصة مقتل المذيعة شيماء جمال على يد زوجها القاضى أيمن حجاج قد أثارت فضول ورغبة المنتج محمد العدل فى أن يعيد صياغة هذه القصة لينتج واقعا فنيا ودراميا متطابقا فى الأحداث مغايرا فى المعالجة والعرض توافرت له جميع عناصر النجاح والتشويق والإثارة بالرغم من أن المتلقى يعرف النهاية منذ أول مشهد وأول حلقة ومع هذا تمكن الكاتب محمد رجاء فى تقديم سيناريو محكم،مع المخرج محمد جمال العدل وفريق التمثيل وقد تجاوز حدود الواقع والحكاية إلى عمل فنى له خصائصه من سيناريو إلى حوار وقصة وتصوير وموسيقى وأداء تمثيلى للفنانة زينة فى دور مروة أو المذيعة شيماء والفنان محمد فراج فى دور صلاح أو المستشار أيمن حجاج
الورد يعنى الرومانسية أوالحب الأفلاطونى، والشوكولاتة تعبر عن الرغبة والشهوة وحين يجتمعان فإن الحدوتة تتبلور وتكتمل فى وجدان المشاهد الذى يتلقى درسا من دروس الحب المحرم والخيانة والعقوق والمصالح المتضاربة؛ فهذا المحامى أو المستشار يرفض أهله ويتبرأ من أصله فلا يحضر جنازة والده لإرتباطه بأسرة ثرية دات شأن وجاه وزوجه توفر له الأصل والأسم الراقى والمركز المرموق فى ظل سطوة والدها ومركزه وصلاته؛
يعيش هذا المحامى لنزواته وشبقة للمال والسلطه والجنس فيقع فى براثن مذيعة جميله لديها مشاكل أسرية وآخرى نفسية فهى ضحية عنف ابوى وزوج خائن يطاردها للحصول حضانة الطفلة.. مروة نتاج مناخ يدفعها إلى الزواج سرا من هذا المستشار أو المحامى الملوث الفاسد المريض نفسيا وذلك على حساب أى إعتبارات
أخرى فلا هى تمتلك المهنية والنزاهة الإعلامية ولا هى أم تخاف على إبنتها ولا هى تحافظ على سلامها النفسى وإنما هى ضحية حب مرضى تمكن منها وسلبها اتزانها ودفعها لأن
تدخل فى علاقة شائكة وزواج عرفى مع هذا الرجل وقد ظنت وتوهمت أنه بنفوذه وسلطته قد يقدم لها الأمن والاستقرار والحماية..  وتبدأ الحكاية ما بين الواقع الكاشف للفساد وبين النفس المريضة لكل من المذيعة والمحامى فهذه العلاقة الغريبة تقوم على أركان الشك والخيانة والابتزاز والتهديد.
المذيعة تسجل فيديوهات جنسية لزوجها وتحصل على مستندات تثبت فساده وإجرامه وسوء استغلاله للسلطة، وعلى الجانب الآخر فهذا المحامى يضربها بعنف حتى الإجهاض والنزيف ويعاملها كما العاهرة برخص وقسوة ومع هذا تستمر العلاقة المرضية بينهما، كلاهما متشبه فى الظروف والنشأة وكلاهما لديه انحراف سلوكى ونفسى جمعت بينهما مصالح تشابه فكانت تلك العلاقة التى جسدها الصراع والحوار فى محاولة لكشف أغوار النفس البشرية وفك رموز السلوك الإنسانى وقد ضل وحاد عن الطريق .. فالمحامى يقتنص ويسرق لحظات المتعة والشهوة، كما يقتنص المال والسلطة والمذيعة تبتزّ وتهدد من أجل الشهرة والنجومية والظهور …
وأيا كانت دوافع هذه الجريمة ومن الجانى ومن الضحية؟ فإن المسلسل نجح فى جذب انتباه المشاهد، وكذلك الغوص مع الشخصيات فى حوارات درامية نفسية مركزة تحل شفرات ذلك السلوك المنحرف للشخصيات من خلال مشاهد متتابعة مشوقة ومثيرة محفزة للفكر والوجدان، وشكلت الموسيقى مع الإضاءة صور الصراع الداخلى والخارجى للشخصيات، صفاء الطوخى مبدعة فى ارتداء شخصية أم شيماء خارجيا وسلوكيا وكذلك تمكنت مريم الخشت من أداء دور الزوجة الراقية فى رقة ونعومة، أما زينة فهى بطلة الحدوتة والمسلسل بعد أن استعادت مكانتها فى الساحة الفنية عائدة بقوة وتمكن وإحساس يتأرجح بين قمة الجبل وصفحة السفح ويغوص فى أعماق البحر ليخرج بؤبؤ المشاعر المتضاربة ما بين الحب والمرض والضعف الأنثوى؛ اما محمد فراج فإنه أبدع فى توظيف ملامح الوجه ونظرات العين ونبرات الصوت وتعبيرات النفس لينقل للمشاهد تضارب المشاعر ما بين الخوف والعنف والفساد والضعف والحب ويجسده على شاشات العرض الواقعى.. المسلسل قدم أروع رسالة فنية وعبرة إنسانية لزوج خائن وفاسد،  وإعلامية مستغلة ضعيفة وزوجة متعالية قاسية وأسر مفككة.. مسلسل يستحق المشاهدة.