بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

كيف نجعل الانتخابات البرلمانية والحزبية مصيدة للفاسدين .. وبأثر رجعي؟

يتسابق الكثيرون بشكل محموم للحصول على مقعد في أحد المجالس النيابية للاستفادة من الحصانة البرلمانية، التي أضحت في أحيان كثيرة درعاً واقياً يتسابق عليه الفاسدون وأصحاب المصالح لحماية أنشطة غير مشروعة. وقد تأملت كثيراً في تلك الظاهرة وقادني التفكير إلى تساؤل مثير: كيف نقلب الطاولة على هؤلاء اللصوص بتحويل الانتخابات من فرصة لتوزيع الغنائم ومقاعد الحصانة البرلمانية إلى مصيدة لاقتناص تلك الرؤوس، ليكون ذلك رادعاً لأمثالهم من الترشح مستقبلاً.

ويتمثل المقترح في تطبيق نظام رقابي شامل ورادع بإجراء تحريات شاملة ودقيقة عن جميع المترشحين في الانتخابات البرلمانية، بل وتحريات عن من يتولى مواقع في التشكيلات الحزبية المركزية والمحلية المختلفة (سواء عن طريق الانتخاب الحزبي أو بالتعيين).


أولاً / تطبيق النظام في الانتخابات النيابية:

لاشك أن تطبيق هذا النظام في انتخابات المجالس النيابية والمجالس المحلية يحتاج إلى مساحة زمنية وجهد كبير من الجهات المعنية بتقييم مدى نزاهة أي مرشحنيابي أو كادر حزبي، مما يقتضي تمديد فترة الترشح لستة أشهر على الأقل لإتاحة الوقت الكافي للتحريات العميقة التي نري أن تقوم بها سبع جهات رقابية وأمنية، بالإضافة إلى فرق رقابية وأمنية مؤقتة تُشكَّل بشكل مفاجئ وعشوائي خصيصاً للمعاونة في إجراء التحريات. بعد ذلك، تقدم نتائج التحريات للجهات المختصة (رقابياً وقضائياً) للقيام بما يلزم حيال المرشحين الذين يثبت تورطهم في فساد أو شبهات فساد، وعقد جلسات استماع واستجوابات وتحقيقات لهم طبقاً لنتائج تلك التحريات، مما يجعل ترشح الفاسدين بمثابة مصيدة لهم. ومن ثم يتم إبلاغ اللجنة الوطنية للانتخابات بنتائج التحريات الموثقة، حتي تتخذ قراراتها بقبول أو رفض الترشح بناءً على النتائج الثابتة والموثقة من هذه الأجهزة، مع إتاحة إمكانية الطعن على القرار أمام القضاء، وهو ما يقتضي زيادة مدة العملية الانتخابية إلى ستة أشهر أو أكثر إذا لزم الأمر لإعطاء كافة الأطراف فرصة كافية للاضطلاع بدورها.

ويجدر التنويه إلي ضرورة تطبيق الفكرة بأثر رجعي منذ السبعينات لاصطياد الجذور التاريخية للشبكات الحالية المتورطة في الفساد والجريمة المنظمة.

 

ثانياً / تطبيق الفكرة على التشكيلات الحزبية:

وتعميقاً للجانب الإيجابي لهذه الفكرة، فإن هذه التدابير ينبغي أن يتم تعزيزها بإجراءات مشابهة تتعلق بالتحري رقابياً عن شاغلي المواقع المختلفة في التشكيلات الحزبية الرئيسية (سواء المركزية أو المحلية بمستوياتها) وإخطار لجنة شؤون الأحزاب وإبلاغ الأحزاب نفسها بصورة استرشادية غير إلزامية لإعمال ما تراه مناسباً حيال أي كوادر فاسدة أو مشتبه فيها، نظراً لأن هذه التشكيلات القيادية هي التي تؤثر بشدة في اختيار مرشحي الأحزاب (خاصة القوائم) لاحقاً خلال أي فعاليات انتخابية برلمانية أو محلية.


ثمرات تطبيق هذه الفكرة :

أن التطبيق السليم والكفؤ لهذه الفكرة سيحقق أربعة أهداف ونتائج رئيسية:

١- الامتناع الطوعي (الردع): إن تطبيق هذا النظام الرقابي الرادع على كل من يترشح برلمانياً أو يشغل موقعاً حزبياً سيجعله يمتنع طواعية عن السعي لأي موقع؛ لأنه سيضع نفسه تحت المجهر الشعبي والرسمي والإعلامي والرقابي والأمني، وبالتالي القضائي والجنائي، أي أنه بالتعبير الدارج في مصر "يفتح على نفسه فاتحة". هذا يدفع أغلب الفاسدين إلى الامتناع الطوعي عن الخوض في الحياة السياسية بشقيها البرلماني والحزبي، خوفاً من انكشاف أمرهم.

٢- إصطياد الفاسدين: سيسهم تطبيق الفكرة فى اصطياد كل من يجرؤ بالفعل على خوض الحياة السياسية رغم فساده وجعله عبرة لمن يعتبر، مما يؤكد أن الحصانة وُجِدت لخدمة الوطن وليست غطاءً للمفسدين.

٣- توفير معلومات تاريخية: يسهم تطبيق الفكرة في تزويد المنظومة الرقابية والأمنية معلومات هامة وموسعة عن الجذور التاريخية لشبكات الفساد والجريمة المنظمة منذ عودة الحياة الحزبية في السبعينات، من خلال تطبيق الفكرة بأثر رجعي.

٤- تطهير الحياة السياسية: لاشك أن تطبيق هذه الفكرة سيؤدي إلي تطهير الحياة السياسية في مصر من المفسدين وتجار المخدرات والآثار والجريمة المنظمة وأصحاب الثروات غير المشروعة والمتورطين في غسيل الأموال، أو المتورطين في التهرب الضريبي أو الجمركي أو الغش التجاري أو الصناعي أو أي نشاط آخر غير مشروع.


أن هذا التحول يجعل العملية السياسية والانتخابية آلية إضافية لتنقية الحياة العامة. وبذلك تُضاف هذه الآلية إلى الضمانات الإجرائية الأخرى لنزاهة الفعاليات الانتخابية المستقبلية، مما يضمن تمثيلاً سياسياً حقيقياً وفعالاً للمجتمع المصري، ويسهم في زيادة ثقة المواطن في النخبة السياسية التي تدهورت خلال العقود الأخيرة.

سياسي ونقابي مصري والمستشار الأسبق لوزير البيئة