مصر وبوينج.. شراكة استراتيجية تتعاظم

أعتقد يا سادة أنه فى ظل التحولات المتسارعة التى يشهدها قطاع الطيران عالميًا، تتجسد الشراكة بين مصر وشركة «بوينج» الأمريكية كإحدى الدعائم الاستراتيجية لتطوير قدرات الدولة فى المجالين التجارى والعسكرى، فى إطار رؤية شاملة تستهدف تحديث الأسطول الجوى وتعزيز القدرات الدفاعية ورفع كفاءة البنية التحتية للطيران المدنى.. هذه الشراكة الممتدة منذ أكثر من أربعة عقود، تجاوزت مفهوم «العلاقة التجارية» لتتحول إلى نموذج للتعاون الاستراتيجى طويل الأمد، يقوم على نقل التكنولوجيا، وبناء القدرات، والتدريب، والدعم الفنى المستدام.

وذلك وفقا لتصريحات «كيرك شولتز» المدير الإقليمى الأول لتطوير الأعمال الدولية فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا بشركة بوينج، وهو المسئول عن قيادة ومتابعة فرص المبيعات العسكرية الخارجية والعقود التجارية المباشرة عبر جميع قطاعات بوينج الدفاعية والفضائية وخدمات الحكومة.

<< يا سادة.. وضعت الدولة المصرية تحديث أسطولها الجوى على رأس أولوياتها، باعتباره أحد المحركات الرئيسية لتنشيط حركة النقل والسياحة والاستثمار. وفى هذا السياق، تم الاتفاق على انضمام 18 طائرة من طراز Boeing 737 MAX 8 إلى أسطول شركة مصر للطيران، ضمن خطتها الطموحة للتجديد والتوسع خلال السنوات المقبلة.. ويمثل هذا الطراز أحد أحدث وأكثر الطائرات كفاءة على مستوى استهلاك الوقود والانبعاثات، حيث تصل نسبة توفير الوقود إلى نحو 20% مقارنة بالطائرات الأقدم من نفس الفئة، فضلًا عن قدرتها الاستيعابية التى تصل إلى نحو 178 – 200 راكب، وبمدى طيران يناهز 6,500 كيلومتر، وهو ما يمنح مصر للطيران مرونة تشغيلية أكبر فى الرحلات الإقليمية والدولية متوسطة المدى وتُعد هذه الصفقة خطوة استراتيجية لدعم خطة ربط مصر بمزيد من الوجهات العالمية، وتعزيز موقع مطار القاهرة الدولى كمحور إقليمى لحركة النقل الجوى فى الشرق الأوسط وأفريقيا.

<< وفى هذا السياق وفى أغسطس 2025، استقبل الطيار أحمد عادل رئيس القابضة لمصر للطيران وفدًا من «Boeing»، حيث صرح عادل بأن.. “العلاقة ثمرة تعاون طويل الأمد ونتطلع إلى مواصلة العمل مع بوينج.. يدعم خططنا التوسعية.. ويُعزز من كفاءتنا التشغيلية”، كما التقى الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء مع رئيس Boeing، وتمت الإشارة إلى أن صفقة تأجير 18 طائرة من طراز Boeing 737-MAX 8 ستسهم فى تحديث أسطول مصر للطيران؛ اعتُبِر تأكيدًا على دور Boeing كشريك مهم لمصر. 

<< تعزيز القدرات الدفاعية والنقل الثقيل

<< يا سادة.. وفقا لبوينج وفى إطار دعم القدرات الدفاعية المصرية، حصلت بوينج على عقد لتوريد 12 مروحية من طراز CH-47F Chinook للقوات المسلحة المصرية، بقيمة تبلغ نحو 426 مليون دولار، لتكون بديلًا للمروحيات الأقدم من طراز CH-47D.. وتتميز مروحيات CH-47F بقدرات متقدمة فى النقل الثقيل، حيث يمكنها حمل أكثر من 10 أطنان من المعدات أو الجنود فى المهام التكتيكية والإنسانية، وتصل سرعتها إلى 315 كم/ساعة، مما يمنح القوات المسلحة المصرية قدرة أكبر على تنفيذ عمليات الانتشار السريع، ودعم مهام الإغاثة والطوارئ، وتعزيز منظومة النقل العسكرى الحديثة.. ولا يقتصر التعاون العسكرى على التسليح فقط، بل يمتد ليشمل برامج التدريب، والصيانة، والتحديث، والدعم الفنى، بما يعكس بناء شراكة متكاملة وطويلة المدى.

<< زيارة السيسى.. رسالة ثقة سياسية واقتصادية

<< يا سادة.. حظيت شركة بوينج بتشريف رئاسى خاص خلال زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى الولايات المتحدة فى إحدى زياراته الرسمية السابقة، حيث التقى قيادات الشركة، واطّلع على أحدث ما توصلت إليه الصناعات الجوية الأمريكية فى مجال الطيران المدنى والعسكرى.. وقد حملت هذه الزيارة رسائل سياسية واقتصادية بالغة الدلالة، أبرزها:

 التأكيد على عمق العلاقات الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة.. ودعم الشراكة الصناعية والتكنولوجية مع كبرى الشركات العالمية.. وإبراز مكانة مصر كقوة إقليمية وجاذبة للاستثمار فى قطاع الطيران.. كما أكد الجانب المصرى آنذاك تطلع القاهرة لتعميق التعاون مع بوينج فى مجالات التصنيع والصيانة والتدريب، بما يسهم فى توطين الخبرات وخلق فرص عمل جديدة.

<< خطط مستقبلية واعدة بين القاهرة وسياتل

<< يا سادة.. تتجه الشراكة بين مصر وبوينج خلال المرحلة المقبلة إلى آفاق أوسع، وفقا لبوينج أبرزها:.. التوسع فى إدخال طائرات صديقة للبيئة ضمن الأسطول المصرى.. والتعاون فى مجال الوقود المستدام للطيران (SAF).. ودراسة إنشاء مراكز صيانة إقليمية معتمدة فى مصر. وزيادة برامج التدريب ونقل المعرفة للكوادر المصرية.. ودعم استراتيجية التحول الرقمى فى إدارة الأساطيل الجوية.. كما تمثل مشاركة بوينج المنتظمة فى المعارض الكبرى التى تستضيفها مصر، وعلى رأسها معرض EDEX للصناعات الدفاعية، دليلًا واضحًا على الأهمية الاستراتيجية للسوق المصرى فى خطط الشركة المستقبلية بالشرق الأوسط وأفريقيا.

<< همسة طائرة

<< يا سادة.. باتت الشراكة بين مصر وبوينج واحدة من أهم ركائز تطوير قطاع الطيران المصرى، حيث تواكب خطة الدولة للتحول إلى مركز إقليمى للنقل والخدمات الجوية، وتعزيز قدراتها الدفاعية بمنظومات حديثة ومتطورة.

<< يا سادة.. وبين سماءٍ تُجدَّد بأسطول حديث، ومدرجٍ عسكرى يتعزز بمروحيات النقل الثقيل، ترسم القاهرة مستقبلها الجوى بثقة، مستندة إلى تحالف استراتيجى مع واحدة من أكبر شركات صناعة الطيران فى العالم.