من صعود تسلا إلى تراجع المبيعات.. عام 2025 يهز سوق السيارات الكهربائية عالميًا
شهد عام 2025 واحدة من أكثر الفترات تقلبًا في تاريخ سوق السيارات الكهربائية، حيث اجتمع التقدّم التكنولوجي مع الاضطرابات السياسية في مزيج غير مسبوق فرض فصلًا جديدًا في مسار المركبات النظيفة.
وبينما برزت طرازات واعدة وجذابة مثل لوسيد جرافيتي ونيسان ليف المُجددة، التصقت بالسيارات الكهربائية دلالات لم يكن لها علاقة بالأداء أو التقنية، بل أصبحت – ولأول مرة – جزءًا من معارك الهوية والانتماء السياسي.
ورغم أن العام حمل كثيرًا من التوتر للمستثمرين والمستهلكين، فإن مؤشرات 2026 تُبقي باب التفاؤل مفتوحًا، خاصة مع ارتفاع وتيرة الابتكار والتوسع في الإنتاج، وعودة بعض الأسواق العالمية إلى النمو بعد فترة ركود.
لا يمكن الحديث عن عام 2025 دون التوقف أمام الدور المحوري الذي لعبه إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لتسلا. فقد أصبح الرجل حاضرًا بشكل مكثف في المشهد السياسي الأمريكي، بعدما انخرط بشكل مباشر في حملة الرئيس ترامب الانتخابية، وتبنّى شعارات هجومية ضد ما اعتبره "إسرافًا حكوميًا".
هذه العلاقة العلنية والجدلية أثرت على الشركة بطرق عدة. فخلال الأشهر الأولى من العام، انخفض سهم تسلا إلى النصف تقريبًا، متأثرًا بضجيج السياسة وتذبذب الثقة في القيادة. وعلى الرغم من تعافي السهم لاحقًا بعد انسحاب ماسك من مؤشر DOGE، فإن أرقام الشركة لم تتعافَ بسرعة مشابهة.
المبيعات، التي كانت محرك نمو تيسلا لعقد كامل، تراجعت بنسبة 13% في الربع الأول، ثم 14% في الربع الثاني، قبل أن ترتفع 7% فقط في الربع الثالث بدافع الاستفادة من آخر أيام الحوافز الفيدرالية. لكن الأرباح لم تصمد أمام الضغوط، حيث انخفضت بنحو 37%، كما تراجعت حصة تسلا في السوق الأمريكية إلى النصف، وهو مؤشر مقلق لشركة طموحة.
ومع ذلك، لم يكن هذا كافيًا لزعزعة دعم المساهمين لماسك، الذين وافقوا على حزمة رواتب ضخمة قد تقوده ليصبح أول تريليونير في العالم – بشرط تحقيق أهداف مبيعات طالما عانى في الالتزام بها.
كان قرار إدارة ترامب بإلغاء الحافز الفيدرالي البالغ 7500 دولار لشراء السيارات الكهربائية أحد أكثر القرارات تأثيرًا في السوق. فبينما حفّز القرار اندفاعًا مؤقتًا في المبيعات قبل دخول الإلغاء حيز التنفيذ في سبتمبر، جاءت النتائج مخيبة بعد انتهاء المهلة.
فوفقًا لتقارير J.D. Power، بلغت السيارات الكهربائية 12.9% من مبيعات السيارات الجديدة في سبتمبر، قبل أن تهبط إلى 5.2% فقط في أكتوبر — انخفاض حاد يعكس هشاشة السوق في غياب الدعم الحكومي.
هذا التراجع دفع عددًا من الشركات إلى إعادة تقييم خطط إنتاجها، خاصة في السوق الأمريكية.
في اليابان، كانت هوندا نموذجًا واضحًا لهذا التحول. فقد أكد هيرو ميبي، الرئيس التنفيذي للشركة، أن قرار وقف بعض طرازات السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة جاء نتيجة مباشرة للواقع السياسي والاقتصادي الأمريكي. وبدلًا من ذلك، اتجهت الشركة إلى تعزيز إنتاج الطرازات الهجينة، التي تبدو حاليًا خيارًا أكثر واقعية للمستهلكين.
الأمر ذاته تكرر مع رام التي ألغت شاحنتها الكهربائية بالكامل 1500، بينما أعادت سكوت موتورز توجيه استثماراتها نحو السيارات الهجينة طويلة المدى بعد أن أوضح 80% من الحاجزين المسبقين أنهم يفضلون وجود مولد كهربائي مدمج بدلًا من الاعتماد الكامل على البطارية.
على الرغم من هذا المشهد الضاغط، لا يزال المستقبل يحمل كثيرًا من الأخبار المشجعة. فالعام المقبل سيشهد إطلاق مجموعة قوية من السيارات الكهربائية الجديدة، أبرزها نيسان ليف 2026، التي تأتي بسعر أقل من 30 ألف دولار، إلى جانب نسخة مُجددة من شيفروليه بولت بنفس الفئة السعرية.
وفي الفئة الأعلى، تقترب BMW iX3 ومرسيدس CLA الكهربائية وGLC الكهربائية من دخول السوق رسميًا، لتمنح المستهلك خيارات أكثر تقدمًا.
أما السيارة الأكثر انتظارًا فهي ريفيان R2، التي قد تكون نقطة التحول في السوق الأمريكية بفضل سعرها التنافسي (45 ألف دولار)، وكونها امتدادًا لفلسفة الشركة التي نالت إعجاب المستهلكين عبر طرازات R1.
ورغم التحديات التي واجهتها ألمانيا بعد إلغاء برنامج الحوافز عام 2023، عادت السوق الأوروبية إلى الارتفاع مجددًا في 2024، مع زيادة بنسبة 50% في السيارات الكهربائية المسجلة حديثًا. اليوم، تمثل السيارات الكهربائية 19% من السوق الألمانية، رغم التراجع المستمر في مبيعات تيسلا هناك.
ورغم أن الولايات المتحدة لا تبدو مرشحة لانتعاش مماثل قريبًا، خاصة مع استمرار الخطاب السياسي المناهض للسيارات الكهربائية، فإن الاتجاه العالمي يشير إلى أن التكنولوجيا الكهربائية لم تفقد زخمها بعد.
وفي النهاية، ربما كان 2025 عامًا مضطربًا، لكن المستقبل ما يزال يحمل فرصًا كبيرة. وبينما قد يبدو التفاؤل مرهقًا، إلا أنه لا يزال الخيار الأكثر واقعية في عالم يتغير بسرعة أكبر مما نتوقع.