د. ﺳﺎﻣﺢ ﻓﻮزى ﻛﺒﻴﺮ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ﺑﻤﻜﺘﺒﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ:
اﻷزﻫﺮ واﻹﻓﺘﺎء ﺣﺎﺋﻂ ﺻﺪ ﻟﻤﻮاﺟﻬﺔ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻤﺘﻄﺮف
التماسك أساس استقرار المجتمع.. ومصر بلد متنوع دينيًا
الأديان لا تعرف العنف.. ونحتاج إلى حوار العيش المشترك
المنابر المتشددة لها جمهور وتجاهلها سبب انتشارها
المؤسسات الدينية الأكثر تأثيرًا فى غرس الأخلاق لدى الشباب
بيت العائلة المصرية خطوة جيدة لتعزيز الوشائج الإسلامية المسيحية
الباحث والأكاديمى والمفكر القبطى الدكتور سامح فوزى أحد القامات الفكرية والثقافية فى مصر، حصل على الماجستير فى الإدارة العامة بعنوان «المساءلة فى الإدارة العامة» بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية 1988 ثم الماجستير فى التنمية السياسية فى موضوع «الحكم الرشيد والتنمية» من معهد دراسات التنمية جامعة ساسكس بالمملكة المتحدة 2001، ثم زمالة معهد دراسات الديمقراطية والتنمية وحكم القانون بجامعة ستانفورد بالولايات المتحدة 2008.
ثم حصل على الدكتوراه فى الإدارة العامة بعنوان «رأس المال الاجتماعى» بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة 2011.
نال الدكتور سامح فوزى العديد من عضويات الهيئات والمؤسسات العلمية، فهو عضو المجمع العلمى المصرى وعضو لجنة تطوير الإدارة الثقافية بالمجلس الأعلى للثقافة، كما عمل بالعديد من منظمات المجتمع المدنى وأدار عددًا من مشروعات التنمية منها الهجرة والتنمية بالتعاون مع الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، وضع العديد من الدلائل التدريبية فى الحوكمة وبناء القاعدة الشعبية وغيرها، كما أشرف على مبادرة «مصر الغد» ومشروع «ذاكرة مصر المعاصرة»، وهو كبير الباحثين بمكتبة الإسكندرية، مؤخرًا حصل على جائزة الدولة للتفوق فى العلوم الاجتماعية 2025، «الوفد» التقت به وهذا نص الحوار.
< بداية فى رأيك ما أهمية الوعى فى بناء المجتمعات وتعزيز القيم الاجتماعية؟

<< هناك رهان على وعى الناس، الجماهير، فى العديد من القضايا، باعتبار أن ذلك هو الضمان الحقيقى لحماية المجتمعات من الأخطار التى تحيط بها. خذ مثالا على ذلك جائحة كوفيد-19، أى كورونا، كان هناك حرص فى كافة دول العالم على رفع وعى الناس بمخاطر الفيروس القاتل، والوقاية منه، سواء من خلال التباعد الاجتماعى، أو اللقحات، أو استخدام الكمامات، والمطهرات، وخلافه، وذلك حتى لا يُصاب الشخص به، ويذهب إلى النظام الطبى الذى كان يعانى من صعوبات كثيرة. مثال آخر، الشائعات، والأخبار المفبركة، والبيانات المغلوطة التى تحاصر الشخص من خلال الفضاء الالكترونى. فإذا كنا لا نستطيع أن نمنعها أو نحجبها، فلا مفر من رفع وعى الناس حتى يستطيعون مواجهتها. قس على ذلك العديد من الموضوعات مثل الوحدة الوطنية، التماسك الاجتماعى، الاخلاق العامة، حماية البيئة، وغيرها، التى نهتم كثيرًا بأن يكون المواطن، الشخص العادى وليس النخبة، على وعى بأهميتها، وسبل الحفاظ عليها.
< استكمالا للحديث، كيف يمكن بناء الوعى لمواجهة الغلو والتشدد؟
<< المنابر المتشددة لها جمهور، وتعتليها شخصيات لها تابعون، وحتى نستطيع أن نواجه ذلك يجب الاستعانة بشخصيات مقنعة تتحدث إلى الناس، وتبين لهم التدين الوسطى فى مواجهة التطرف والتشدد. وينبغى أن يكون لدى منتجى الخطابات الدينية الجرأة فى مواجهة الأفكار المتطرفة أو المتشددة، لأن تجاهلها أو عدم الاشتباك معها يوفر لها مساحة آمنة للانتشار. ولكن حتى تكتمل الصورة ينبغى أن نخلق وعيًا مدنيًا لدى الأطفال والنشء من خلال التربية المدنية فى المدارس، التى تنقل لهم مبادئ المشاركة، واحترام التنوع، وقبول الآخر، باعتدال، وتبتعد عن أفكار التعصب والغلو. وفى رأيى يندر أن نجد التعصب أو التشدد فى الشخصيات التى لها أنشطة مجتمعية، وثقافية، وإنسانية، وتشارك فى التنمية، والعمل الأهلى، لأنَّ الوجدان الإنسانى الذى يتشكل لدى تلك الفئات، على نحو يصعب أن تخترقه أفكار متشددة.
< هناك تحديات كثيرة تواجه شباب اليوم.. كيف يمكن أن يكون الوعى أداة فعالة فى مواجهتها؟
<< فى كل عصر، نجد من يقول إنَّ الشباب يواجه تحديات غير تلك التى واجهتها الأجيال السابقة عليه. بالفعل الأزمنة تتغير، والتحديات أيضًا تتغير. فى رأيى أنَّ هناك ثلاثة أمور ينبغى أن نحرص عليها لتعزيز وعى الشباب لمواجهة التحديات التى تحيط به. أولًا نحتاج إلى الحديث مع الشباب فيما يريد أن يعرفوا، وليس فيما نريد أن نقوله لهم، هناك أسئلة تشغل بال الشباب، لابد أن نجيب عنها. ثانيًا الشباب اليوم، نتيجة الانفتاح الإلكترونى، صارت لديهم مصادر عديدة لتشكيل الوعى، بعضها جيد، وبعضها رديء، وحتى تستقيم الأمور، ينبغى أن يكون من يتحدث معهم مقنعًا، هم يريدون شخصيات لها فكر ووعى، تتواصل معهم، وليست شخصيات نمطية تقليدية، تتحدث إليهم بلغة تختلف تمامًا عن اللغة التى يستخدمونها. ثالثًا الشباب يحتاج أن يمارس الثقافة التى نحدثه عنها، فإذا كنا نحدثه عن المشاركة، ينبغى أن نوجد لهم الأطر السياسية والثقافية والاجتماعية التى يشاركون من خلالها، وإذا كنا نحدثهم عن المواطنة، ينبغى أن يعيش الشباب فى الواقع العملى مواطنين، يعتزون بهويتهم، ويشاركون فى الشئون العامة، وإذا كنا نحدثه عن حقوق الإنسان، خاصة فى ظل الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، ينبغى أن يمارس الشباب حقوقهم فى المدرسة، والجامعة، ويلتزم بالواجبات الملقاة على عاتقه. إذن ليس الوعى أحاديث ونصائح، ولكن ممارسة واقعية.

< من وجهة نظرك ما دور المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية فى تعزيز الوعى الأخلاقي؟
<< هناك دور يقع على عاتق المؤسسات الدينية، الإسلامية والمسيحية، فى تعزيز الوعى بالأخلاق العامة، فهى من نوعية المؤسسات الأكثر تأثيرًا، وثقلا فى المجتمع، رغم كل التطورات التى حدثت فى العقود الأخيرة. ولكن حتى يتسنى للمؤسسات الدينية أو منتجى الخطابات الدينية تحقيق ذلك ينبغى أن نستخدم أساليب العصر فى مخاطبة الأجيال الشابة وهو الفضاء الإلكترونى، ووسائل التواصل الاجتماعى، وتتطور الخطابات الدينية، لغة، ومضمونًا، وأسلوبًا، بحيث تكون أقرب إلى ذهنية الأجيال الشابة. فى أوقاتٍ كثيرةٍ استمع إلى خطب إسلامية وعظات مسيحية أشعر أنها تناسب عقلية أجيال سابقة، ولا تتماشى مع اهتمامات الجيل الحالى، الذى يطرح أسئلة تختلف عن تلك التى كانت تشغل أذهان أجيال سابقة. وفى رأيى أنَّ التعليم الدينى يحتاج إلى الاستعانة بالعلوم الاجتماعية، مثلما يحدث فى الأكاديميات الغربية، حتى يكون القادة الدينيون على وعى، وفهم بمشكلات وتحديات المجتمع، ويستطيعون تقديم حلول لها، بدلا من الاكتفاء بترديد الإجابات التقليدية.
< الذكاء الاصطناعى سلاح المستقبل فهل سيشكل تهديدًا فى الوقت الراهن فى رأيك؟
<< فى إحدى الندوات منذ بضعة شهور التقيت نائبًا سلفيًا فى البرلمان، تجمعنى به علاقة مودة، أردت أن أمازحه فقلت له: قريبًا يا مولانا قد تصلى خلف روبوت. فابتسم مستغربًا، فقلت له: هناك من يقول إنه قد يأتى يوم يؤم فيه روبوت المصلين، ويخطب فيهم، وقد يفعل الشيء نفسه فى الكنيسة. نفس الروبوت يصلى هنا وهناك. فقال لى متوجسًا: ربنا يحفظنا من الأيام المقبلة. بالتأكيد نطلب من الله الحماية والحفظ، ولكن علينا أن نقوم بدورنا دون خوف أو توجس تجاه المستقبل. توفر تطبيقات الذكاء الاصطناعى إمكانيات هائلة فى التعليم، وتطوير السياسات العامة، والتطور التكنولوجى، ولكنها أيضًا تحمل تحديات أو مخاطر، إنسانية وأخلاقية، وبالتالى لا سبيل أمامنا سوى أن نتفاعل بإيجابية مع التطور العالمى، ونكون منتجين، ولسنا متلقين لها، خلافًا لما دأبنا عليه فى السابق إزاء كل جديد فى عالم التكنولوجيا والإبداع، منذ الثورة الصناعية حتى الثورة الرقمية وانتهاء بالذكاء الاصطناعى نستورد ونستخدم، ولا نمتلك أدوات الاختراع ولا سر الصنعة. من هنا فإننى أشجع كثيرًا البرامج التعليمية سواء فى المدارس أو الجامعات فى مجال الذكاء الاصطناعى، لأنه يعبر عن المستقبل شئنا أم أبينا، وهناك دول عربية تتسابق فيما بينها لإيجاد مساحة لنفسها فى هذا المجال أسوة بما تفعله الدول الكبرى فى السباق على الريادة فى الذكاء الاصطناعى.
< كيف يمكن توظيف الفنون والثقافة فى نشر الوعى وتعزيز القيم المجتمعية؟
<< هناك مصادر عديدة يتشكل منها وعى المرء، منها التربية الأسرية، والتعليم، والإعلام، الخطابات الدينية، والثقافة العامة. الإشكالية الحقيقية فى مجتمعنا هى الانفصال بين هذه الروافد، إلى حد أنها تفسد عمل بعضها بعضا، ونجد مواجهات بين الدينى والمدنى، وبين الإعلام والتعليم، ويسعى كل طرف إلى تحميل الطرف الآخر مسئولية تراجع مستوى الاخلاق والقيم فى المجتمع. بالتأكيد الفن، والثقافة، تشكلان مصدرًا أساسيًا لتشكيل الثقافة الإنسانية، ووعى الإنسان المعاصر، ولا تعارض بين كون الشخص متدينًا، أو له اهتمامات دينية، وبين أن يكون لديه اهتمام ثقافى، ولكن التشدد هو الذى يخلق تعارضًا، وأعنى بذلك تشدد بعض القادة الدينيين الذين يرون فى الثقافة شيئا ثانويًا أو منافيًا للدين، وبعض المثقفين الذين يضعون الثقافة فى مرتبة أعلى من الدين، كلاهما يخلق تناقضًا، لا ينبغى أن يكون. ولا أخفى عليك إننى فى وقتٍ من الأوقات شعرت بعدم ارتياح تجاه الحملة التى شنها بعض المثقفين، وفى مقدمتهم الراحل الدكتور جابر عصفور، ضد مشيخة الأزهر، والإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، لأننى أعتقد أنَّ هناك مساحة تلاقى بين المثقفين والمؤسسات الدينية يمكن أن تنتج خطابات أكثر استنارة، وقد نتج عن هذا التقارب يومًا وثيقة الأزهر التى صدرت فى يونيو 2011، وكنت أحد المشاركين فيها، وعبرت عن رؤية متقدمة لدولة عصرية حديثة تستند إلى المواطنة، والحريات العامة، والمساواة بين كل المواطنين بصرف النظر عن الاختلاف فى اللون أو الدين أو الجنس. وفى مجال توظيف الفنون والثقافة فى نشر الوعى علينا أن نبدأ من الإمكانات المؤسسية المتاحة ومنها الأنشطة المدرسية، والمسرح المدرسى، لأنها تخلق وعيًا إيجابيًا عند النشء، ثم نتجه إلى الدراما، والتى تشتبك مع قضايا اجتماعية مهمة، مثل مسلسل لام شمسية، وما أحدثه من جدل ونقاش جاد.
< هل ترى المؤسسة الدينية فى عالمنا العربى نجحت فى مواجهة التيارات المتطرفة؟
<< بصراحة لا أظن ذلك، والدليل على ذلك التطرف والإرهاب يجثم على صدر المنطقة العربية لعدة عقود ممتدة، ويتطور من جماعات إسلامية إلى تشكيلات عسكرية أو مليشيات، إلى محاولة تأسيس سلطة أو دولة مثل داعش، كما حدث فى الموصل وأجزاء من سوريا، وكانت هناك محاولات من جانب التنظيمات الإرهابية فى مصر، لولا المواجهة الحاسمة التى شنتها الدولة المصرية، بقواتها المسلحة والشرطة، فى مواجهة الإرهاب، لكان المصريون فى وضع يشبه الحالة التى تمر بها دول عربية أخرى. ولكنى لا أريد أن أحمل المؤسسة الدينية وحدها تلك المسئولية، لأن مواجهة الإرهاب يحتاج إلى سياسات عامة، وتعليم، وإعلام، والهيئات الثقافية، والخطابات الدينية، وإصلاح أوضاع اجتماعية، ونشر التنمية، وغيرها، من القضايا الأساسية فى بناء الدولة الحديثة، وأرى منذ فترة الأزهر ودار الإفتاء حائط صد ويلعبان دورا مهما فى مواجهة الفكر المتطرف سواء من خلال مرصد الأزهر، أو مؤشر الإفتاء، والندوات والمؤتمرات، لكنى أظن نحتاج إلى بذل مزيد من الجهود فى هذا الصدد.
< من واقع دراساتك وأبحاثك التى تقوم بها، هل ترى صحة فيما يردده بعض المثقفين أن الثقافة العربية، والدين الإسلامى يحملان جذور العنف والتطرف كجزء منهما، أم أن المسلمين قد وقعوا أسرى لتأويلات تعزز ذلك؟
<< لا أتصور أن هناك ثقافة أو دين يمكن أن يوصم بالعنف والإرهاب والتطرف. ولكن هناك العديد من أوجه القصور فى العالمين الإسلامى والعربى فى مجالات التعليم الدينى والثقافة، من بينها ضعف جهود التجديد، والركون إلى آراء فقهية تجاوزها الزمن، والتأويلات الخاطئة، وتراجع مؤسسات التعليم والثقافة، وغياب الحوار النقدى فى الشأن الدينى، حيث يعتبر كثير من منتجى الخطابات الدينية أنَّ النقاش حول مضمون تلك الخطابات يمثل انتقادًا للدين، فى حين أنَّ الحديث برمته يتناول اجتهادات بشرية فى فهم الدين، تصيب وتخطئ.
< ما تقييمك لدور الأزهر والكنيسة فى قضية حوار الأديان؟
<< الأفضل فى رأيى أن نقول الحوار بين المؤمنين بالأديان، لأنَّ الأديان ذاتها لا تتحاور. هنا ينبغى أن نفرق بين الحوار العقيدى، وحوار الحياة. لا أظن أننا بحاجة إلى حوار على المستوى العقيدى، لأنَّ الاختلاف حاضر فيه، وسوف يظل لكل شخص دينه ومعتقده، ولكن ما نتطلع إليه هو حوار الحياة، أو حوار العيش المشترك. فى هذه المسألة تحديدًا، أسس الأزهر والكنيسة المصرية عام 2010 بيت العائلة، الذى يضم ممثلين عن المؤسسات الدينية، والأكاديميين، والإعلاميين، وبالتالى لم يعد الحوار مجرد مناسبات متقطعة، بل صار مؤسسة، لها أهداف، وهى خدمة السلام الاجتماعى، والمواطنة، وتعزيز الوشائج الإسلامية المسيحية فى مجالات الشباب، والإعلام، التنمية، وغيرها. وفى تقديرى أنَّ وجود بيت العائلة المصرية خطوة جيدة، لكنه يحتاج إلى تفعيل دوره فى مجالات الحوار الحياة بين المصريين، بالتعاون مع المؤسسات التعليمية، والجمعيات الأهلية، بحيث يعمل وفق برامج ممتدة، وقياس أثر لنتائجه على الأرض.
< كيف نقضى على الشائعات الهدامة التى تزرع الفوضى فى الوطن؟
<< تترعرع الشائعات دائما فى ظل غياب المعلومات، ولا مجال لمواجهة الشائعات إلا بنشر المعلومات الصحيحة، وبمرور الوقت سوف يدرك الجمهور العام كيف المنابر التى تطلق الشائعات، ويتولد لديهم الرؤية النقدية تجاه ما يصل إلى مسامعهم أو يطالعونه على مواقع التواصل الاجتماعى. وأظن أنَّ الحكومة من خلال مؤسساتها، ولاسيما مركز دعم اتخاذ القرار ترد بانتظام على الشائعات، وهى مسألة ضرورية لأنَّ ترك الشائعات دون رد حاسم عليها أو مواجهة تتحول فى أذهان الناس إلى حقائق، وتبعث على الإحباط، والتشكيك فى مؤسسات الدولة.
< كيف تنظر إلى الدور الذى تلعبه بعض الدول فى تعزيز الطائفية كجزء من الصراع على النفوذ فى منطقة الشرق الأوسط وكيف يمكن التغلب على تلك المعادلة المقيتة فى رأيك؟
<< أخطر ما يواجه المنطقة العربية هى الطائفية، لأنها تخلخل أسس ودعائم الدولة الوطنية الحديثة. هناك وكلاء للطائفية فى المنطقة، يحرصون على تفكيك المنطقة، وقد أصابت المشروعات الطائفية الدول بالتفكك، خذ مثالا على ذلك العراق، ولبنان، وسوريا، والسودان، وغيرها، والحل دائمًا هو فى المواطنة، والديمقراطية والتنمية، حيث يشعر المواطنون أنهم يرتبطون بدولة، هم مواطنون فيها، وليسوا رعايا لطائفة أو قبيلة أو عشيرة، وفى الوقت نفسه يشاركون فى مؤسساتها، ويعملون على نهضتها من خلال المشاركة فى العمل التنموى. فقد ثبت فى تجارب عديدة للتنمية حول العالم أنَّ تلك المفاهيم الثلاث، المواطنة والديمقراطية والتنمية، هى دعائم الحفاظ على أى مجتمع، وبدونها، تجد القوارض الطائفية فرصة للعبث بنسيج الوطن.
< هل ترى أنَّ التماسك الاجتماعى ضرورة دينية وحياتية أم لا؟
<< التماسك الاجتماعى هو أساس الاستقرار فى أى مجتمع، فلا نتصور مجتمعًا مستقرًا بينما تتبعثر مكوناته، وتواجه بعضها بعضًا. أظن أنَّ التماسك ليس ضرورة دينية، وليس ضرورة حياتية، ولكنه ضرورة وطنية، مع إدراك أهمية التماسك بالنسبة للتسامح الدينى، والعلاقات الطيبة بين الناس. ويقوم التماسك الاجتماعى على تقاليد، وعادات، وتاريخ مشترك، لكنه يتعزز من خلال حكم القانون، والمشاركة، والحقوق المتساوية لكل المواطنين، والعدالة التنموية.
< هناك من يتهم وسائل التواصل الاجتماعى بلعب دور فى تأجيج المشاعر الطائفية فى المجتمع، كيف ترى ذلك؟
<< تمثل وسائل التواصل الاجتماعى طاقة حرية، ومعرفة، وتبادل الآراء، متى أحسنا استخدامها، وقد تعزز دورها فى أعقاب جائحة كورونا، حيث انتقل العالم برمته إلى الفضاء الرقمى بحثًا عن المعلومة، والثقافة، والتعليم، والتسلية، وشراء الاحتياجات، وغيرها. لكن تكمن إشكالية وسائل التواصل الاجتماعى فى أنَّ الجمهور العام هو المتلقى والمنتج فى آنٍ واحدٍ، وهو ما يجعل هناك أشكالًا من الكتابة غير المنضبطة، والمشاعر غير السوية، والأفكار غير الناضجة، إلى حد أنَّ بعض الباحثين كانوا يوجهون حديثهم للجمهور العام بقولهم: فكر قبل أن تكتب. وفى مجال الترويج الطائفى لاحظت أنَّ هناك منابر تلعب دورًا فى تأجيج المشاعر الطائفية من خلال عدة أمور منها المساجلات العقيدية، والطعن فى أديان ومعتقدات الآخرين، والتسفيه من مناسباتهم الدينية، ونشر معلومات مغلوطة عنهم، وتشجيع رواد السوشيال ميديا على التعليق المستمر على قضايا دينية، رغم أنهم غير متخصصين، ولا يمتلكون المعرفة الكافية للإدلاء بآرائهم، وهو ما يذكرنى بكتاب أبى حامد الغزالى «إلجام العوام عن الخوض فى علم الكلام».
< كيف نواجه التحريض الطائفى على السوشيال ميديا؟
<< من الصعب إغلاق نوافذ الإعلام الإلكترونى، أو حجبها، لأنَّ ذلك لم يعد ممكنًا فى عصر السماوات المفتوحة، لكن البديل هو ملء الفراغ، أى عدم ترك الساحة نهبا لدعاة الطائفية والتطرف والجهل الدينى، بل ينبغى أن يقدم منتجو الخطابات الدينية المستنيرة مواد إعلامية على وسائل التواصل الاجتماعى، بطريقة جذابة مشوقة، تجذب الشباب والنشء، وتمثل بالنسبة لهم بديلا عن اللجوء إلى مواقع الإثارة والتحريض الطائفى. وقد يكون ذلك هو إحدى مهام المؤسسات الدينية فى المرحلة المقبلة، وبعضها بدأ بالفعل بث رسائل مهمة على وسائل التواصل الاجتماعى، لكن نحتاج إلى تعميق هذا التوجه فى الفترة المقبلة.
< أخيرًا فإن مصر بلد التنوع الدينى، هل نحن بالفعل نستفيد من تلك الميزة الحضارية والإنسانية؟
<< مصر بلد متنوع دينيًا، وإذا ذهبت إلى حى مصر القديمة ستجد كنائس تجاور مسجد عمرو بن العاص، ومعبد يهودى، لا أظن أنَّ هناك مدينة أخرى فى العالم خارج فلسطين تحوى هذا التنوع. وفى رأيى، أنَّ هذا التنوع يرتبط بالسياحة الثقافية والدينية، وهو ما يمكن أن يتحقق من خلال إحياء المسارات الروحية. فقد زارت العائلة المقدسة مصر، وتركت مزارات مهمة فى عدة أنحاء من البلاد شمالًا وجنوبًا، شرقًا وغربًا، وهناك مسار آل البيت، ويضم مساجد ومزارات لها قدسية وإلهام خاص لدى قطاعات عريضة من المسلمين، وهناك ما يُعرف التجلى الأعظم فى سيناء، وجميعها مسارات روحية مهمة لكل المؤمنين بالأديان، يسعون إلى زياراتها، واستلهام طاقة روحية منها. ورغم جهود الدولة الكبرى فى هذا المجال، والتى لم تكن موجودة بنفس الزخم فى أى مرحلة سابقة، فإنَّ المسألة لا تخرج عن كونها تطويرًا لمزارات سياحية، ولا غرو فى ذلك، لكن ينبغى أن يكون هناك إدراك بأن يكون هذا التنوع الدينى مصدرًا اقتصاديًا، أساسيًا ورئيسيًا، يتجاوز مجرد الاهتمام السياحى، بحيث يصبح أساسًا لصناعات ثقافية ترتبط به، وتضاف إلى الأنشطة الاقتصادية الرئيسية. فمثلا يمكن تشجيع الحرف والصناعات التراثية على إنتاج منتجات تناسب تلك المسارات الروحية، وتكون مصدرًا مستدامًا للدخل للمشتغلين بها حاضرًا ومستقبلا فى إطار رؤية للتنمية المستدامة، وأظن أنَّ المجتمع المصرى على موعد من فرص سياحية واسعة خاصة بعد افتتاح المتحف المصرى الكبير.