تأملات
رسائل ما يجرى فى سوريا!
قلنا ونعيد التأكيد أن ما جرى فى سوريا أو ما اصطلح على وصفه بالثورة السورية لم يكن أمرًا بعيدًا عن الشبهات رغم الفرحة الغامرة التى ألمت بالكثيرين جراء سقوط بشار الأسد. لم نقل ذلك حبًا فى الأخير فله من المساوئ والعيوب الكثير أيضًا، ولكن المسألة على النحو الذى تمت به كانت تشير الى أن أمور سوريا ستؤول إلى آخرين كان لهم المصلحة الكبرى فى وصول الأوضاع الى ما هى عليه الآن.
بعيدًا عن دلالة ما يجرى بشأن غياب تأثير عربى من قريب أو بعيد أو أن هذا التأثير يأتى فى مرتبة التابع، وهو أمر يكاد أن ينسحب على ما يجرى فى المنطقة ككل، فإن الساحة السورية الأن تبدو وكأنها مسرح معد لتنامى دور إسرائيلى أمريكى مشترك رغم ما قد يبدو من مناوشات بينهما تكشف عن أن الاختلاف فى مستوى الأهداف وليس حول هذه الأهداف، بمعنى أخر ان الخلاف لا يعدو كونه خلافًا تكتيكيًا ليس إلا. لقد أصبحت سوريا منطقة مستباحة لإسرائيل تفعل بها ما تشاء، وأتصور أن تل أبيب لو أرادت أن تدخل بقواتها دمشق لفعلت بعد أن كانت هذه الأخيرة من الحصون المنيعة، وكانت لها صلابتها فى مرحلة من مراحل الصراع مع إسرائيل.
وإذا كانت الأحداث التى تؤكد ذلك تعددت منذ وصول الشرع للحكم إلا أن ما حدث الجمعة الماضية كان وفق تقدير البعض الهجوم الأشد دموية حتى الآن، حيث أسفر عن مقتل 13 شخصًا فى قرية بيت جن جنوب غرب دمشق على يد القوات الإسرائيلية تحت زعم استهداف عناصر من تنظيم الجماعة الإسلامية. ويعزز ذلك الهجوم فرضية أن تل أبيب أصبحت ترى سوريا بأكملها منطقة عمليات مستباحة دون قيد أو شرط، حيث لا يوجد فى أى مواثيق دولية أو غير دولية ما يبيح قيام دولة بعمليات عسكرية على هذا النحو سوى وفق منطق القوة على النحو الذى يبدو فى سلوك ترامب مثلاً تجاه فنزويلا.
أما الرئيس ترامب فيبدو أنه يقوم بما يمكن وصفه «تسوية» الأوضاع فى سوريا على نار هادئة فى أسلوب ربما يبدو أكثر عقلانية ودهاء مما تقوم به تل أبيب، فالرجل لا يتوانى عن الإشادة بما يجرى هناك، ولا يوفر مرة يأتى فيها على ذكر الشرع دون ذكر مآثره، فضلًا عن قيامه باستقباله بترحاب غير عادى تجاوز ما يقوم به مع زعماء عرب آخرين من دول لها وزنها فى المنطقة، فيما يبدو لتطويع إرادة النظام هناك ودفعه فى المسار السياسى الذى ترسمه له دمشق. وقد وصل إنحياز الرجل- ترامب- لسوريا الى حد تحذير إسرائيل ما اعتبره مغبة زعزعة استقرار سوريا وقيادتها الجديدة.. فى طريقها نحو دولة مزدهرة!!
ربما تنطلى هذه الرطانة الإنشائية، التى لا يمل الرئيس الأمريكى من ترديدها بشأن القيادة السورية على البعض، غير أن الحقيقى والخلاصة فى كل ما يجرى أن ترامب يسعى وبجد وحماس ربما يفوق تل أبيب إلى ضم سوريا لحظيرة التطبيع مع إسرائيل، ولتطوى بذلك صفحة رئيسية فى الصراع العربى الإسرائيلى باعتبار أن أساسًا رئيسيًا من ذلك الصراع يأتى على خلفية احتلال إسرائيل لأراض سورية على رأسها الجولان المحتل.
الملحوظة المهمة هنا أن الحديث عن الجولان المحتل واستعادته حتى كشرط لإقامة علاقات طبيعية مع الدولة العبرية غائب عن الخطاب السياسى السورى. قد يرى البعض أن ما ورثه النظام الحالى من سابقه يفرض عليه قدرًا من التريث والعقلانية.. ولكن المسار الذى يسلكه لا ينبى بكثير من الخير.