شَرْطَةٌ مائلة
مافيا نتنياهو، بين الإرهاب والفساد وعرض الرجل الواحد
تعيش إسرائيل حالة غير مسبوقة من احتدام الصراع بين سلطة سياسية لنتنياهو، وبين مؤسسات دولة تحاول ادعاء اللعب وفقًا لقواعد الديمقراطية، ليس جديدًا القول إن نتنياهو، الذي قاد إسرائيل في أغلب سنوات العقدين الماضيين، يتمتع بمهارة استثنائية في المناورة، لكن ما تكشفه المرحلة الراهنة يتجاوز حدود البراجماتية السياسية إلى ما يشبه منطق "المافيا السياسية"، مثلما سماها الصحفي الإسرائيلي والمحلل العسكري بن كاسبيت، حيث السلطة الإسرائيلية تتحول من إدارة دولة إلى هندسة نظام حماية قائم على الولاء، والإتاوة، وفرض الصمت بالقوة.
منذ عام 2019، يواجه نتنياهو ثلاث قضايا جنائية كبرى، المعروفة بـ قضية 1000، قضية 2000، وقضية 4000 ، تتهمه بالفساد، الرشوة، الاحتيال، وخيانة الأمانة، في القضية 1000 يُتهم نتنياهو وزوجته بتلقي هدايا فاخرة من رجال أعمال أثرياء مقابل مزايا سياسية، وفي القضية 2000 يُتهم بأنه تفاوض مع ناشر صحيفة يديعوت أحرونوت أرنون موزيس لمنح تغطية إعلامية إيجابية له في مقابل دعم تشريعي لإضعاف صحيفة يسرائيل هايوم، أما قضية 4000 فيُتهم فيها نتنياهو بأنه منح تسهيلات تنظيمية لشركة اتصالات مقابل تغطية إعلامية إيجابية لمواقفه السياسية وعائلته.
بدأ المحاكمة الرسمية منذ 2020، وشهدت جلسات الاستماع إفادات شهود من المقربين، بينهم مساعدون سابقون، ما زاد من الضغط على المؤسسات القضائية والإدارية، لكن رغم مرور سنوات، لم يصدر حكم نهائي، وهو ما جعل مآلات القضايا على المحك، والوقت السياسي في صراع مع القضاء.
طال أمد المحاكمة بسبب التأجيلات والشهادات الجديدة، والضغط السياسي الذي وصل إلى حد هجوم أنصار نتنياهو على القضاة، إضافة إلى تطورات الحرب، وفي 30 نوفمبر 2025، قدّم نتنياهو، عبر محاميه، طلبًا رسميًا لعفو من رئيس إسرائيل يتسحاق هرتسوج، ساعياً لإيقاف المحاكمة قبل صدور أي حكم، وجاءت المذكَّرة، المكونة من 111 صفحة، مرفقة برسالة شخصية يبرّر فيها القرار بأنه من "مصلحة الوحدة الوطنية" لإسرائيل؛ حسب قوله، فإن استمرار المحاكمة في هذه المرحلة "يهدد الاستقرار الداخلي ويشتت جهود الحكومة في قضايا أمنية وسياسية ملحّة".
تُعد خطوة كهذه استثنائية تاريخيًا، فلم تشهد إسرائيل حالة مماثلة لزعيم سياسي يطلب العفو وهو في منصب رئيس حكومة.
كانت ردود الأفعال من خصوم نتنياهو فورية وقوية، حيث وصفوا الطلب بأنه محاولة للهرب من المحاسبة، كما جاء في تصريح رئيس حزب المحافظين يائير جولان: "فقط من ارتكب جريمة يطلب عفوا"، فيم طالب زعيم المعارضة يائير لابيد من رئيس إسرائيل عدم العفو عن بيبي دون اعترافه بالذنب وإبداء الندم واعتزال الحياة السياسية.
يُقرأ في ضوء هذه المحاكمات وطلب العفو المزيد من التحولات السياسية، فقد تحولت المواجهة من نزاع حول ملفات فساد نتنياهو إلى صراع على مستقبل إسرائيل، حيث لم يكن تسلسل الهجمات على الشرطة، النيابة والقضاء في إسرائيل عشوائيًا وفق قراءة أوساط منتقدة، بل يُنظر إليه كجزء من مشروع إعادة تشكيل الدولة حول شخصية نتنياهو وحده، ليظل هو الملك بيبي.
المفارقة أن اللحظة الأكثر كارثية في تاريخ إسرائيل الحديث، المتمثلة في طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 أمام غفلة أمنية إسرائيلية، تكاد تتلاشى من الخطاب السياسي لنتنياهو، ففي طلب العفو والرسالة المرفقة لا يذكر 7 أكتوبر، لا اعتراف ولا مراجعة؛ بل محاولة لتجاوز مسئوليته عبر عفو يعيد له السلطة بلا محاسبة، وهو الرجل الذي طالما أكد أن رئيس الحكومة هو المسؤول الأول عن "أمن الدولة"، غير أنه يحاول اليوم أن يهرب من المحاسبة القانونية أمام اتهامات الفساد، كما يهرب من لجنة تحقيق بشأن أحداث حرب طوفان الأقصى.
في سباقه نحو العفو؛ والهروب من السجن، جنّد نتنياهو ترامب رئيس الولايات المتحدة، ليطلب الأخير وهو يخطب في الكنيست أن يجري العفو عن بيبي، ويرسل رسالة لرئيس إسرائيل تعيد الطلب، فنتنياهو الآن ينتظر إنقاذًا ثانيا من ترامب، الذي أنقذه في أكتوبر الماضي بإعلان وقف الحرب على غزة، وهي الحرب التي ظل بيبي يمد أجلها لتغطي على محاكمته، والآن يريد العفو ليغطي على فساده، ومسئوليته عن 7 أكتوبر 2023، ويبقى نتنياهو One Man Show.
، كاتب وشاعر، صحفي حر، أكاديمي، مُحاضر الأدب العبري الحديث والدراسات الإسرائيلية، كلية الآداب، جامعة المنصورة.
[email protected]