كارثة طبيعية
المسلسل الدرامي الساخر «كارثة طبيعية» تأليف أحمد عاطف فياض، وإخراج حسام حامد، بطولة محمد سلام وجهاد حسام وكمال أبورية وحمزة العيلى، يعد صرخة ألم وصفعة على وجه الحياة والمجتمع والاقتصاد والإعلام وتلك المنظومة الرأسمالية التي تطحن عظام و تقطع أوصال الطبقة المتوسطة في المجتمع من منظور النفعية المادية.. المسلسل مكون من عشر حلقات تعرض على أحد المنصات المصرية في قالب ليس بالكوميديا ولكنه أقرب إلى التراجيدية المأساوية، حيث يلعب القدر الدور البطولة في تصاعد حدة أحداثها وتكثيف سوداوية مأساة أبطالها الذين ما هم إلا رد فعل لهذا القدر أو ما يسمى بالكارثة الطبيعية؛ تبدأ الكارثة تكشف عن أنيابها لتغرس أظافرها المتوحشة فى جسد الأسرة الصغيرة حين تفاجئ الزوجة أنها تحمل خمسة توأم في رحمها فتتحول حياتها وزوجها الموظف البسيط إلى جحيم من الخوف والترقب جراء تبعات العبء المادى الذي لن يقوى الزوجان على تصوره أو تحديده.. وخلال التسعة أشهر الحمل الصعبة تقع كارثة أخرى على رأس الزوجين وهى تهدد تواجدهما في شقة الزوجية الإيجار؛ فإذا بأصحاب العقار يقتحمون الشقة ليلا ومعهم بلطجية وأسلحة. وتحت تهديد السلاح أو الطرد يتم رفع إيجار الشقة إلى مبلغ يتجاوز المرتب الشهرى للزوج حيث يعمل موظف خدمة عملاء في أحدى شركات الاتصالات الشهيرة والتى تكسب آلاف الملايين وتنفق مئات منها على الإعلانات لكنها تمنح الموظفين القروش والجنيهات التى لا تكفى فاتورة سوبر ماركت أو إيجار شقة فيضطرون كما محمد إلى العمل الإضافي لقيادة سيارة لشركة مواصلات خاصة أو أى عمل آخر حتى ديلفرى لمحلات الطعام .. تتوالى الكوارث الطبيعية ليجد الزوجان أن لديهما سبعة توائم فتقع الصاعقة التي تفقدهم التوازن وطعم السعادة فلا تتح لهم الأقدار فرصة الإستمتاع بالمشاعر الطبيعية للأبوة والامومة؛ وفي مشهد السجل المدنى لاستخراج شهادات الميلاد واختيار أسماء الأطفال ينسى الأب ما اتفقا عليه زوجته من مجموعة أسماء فإذا بالموظفين يكتبون ما يريدون وهو مستسلم فى قهر لأن أطفاله محتجزين فى القسم بتهمة الاشتباه فى تورطه فى خطف هذا العدد من الرضع ووضعهم فى عربة دون وجود الأم ودون ما يثبت أبوته.. تتأزم وتتضخم الفاجعة الدرامية ما بين تغافل المجتمع عن البعد الإنسانى والظرف الخاص الذى يعيشه ذلك الأب الشاب وقسوة الإجراءات الامنية التى تطبق القانون بلا رحمة كل هذا مع تضاءل الإنسانية في المصالح الحكومية وغياب التعاطف البشرى في ظل وطأة الضغوط المالية التي تفقد البشر إنسانيتها وتراحمها.. نجد مشهداً آخر لموضوع الألبان التي تصرفها وزارة الصحة مع التضامن الاجتماعي للأطفال الرضع فلا يوجد نص قانوني صريح لمن لديه سبعة أو خمسة توأم يمكن أن يطبق فى حالة هذه الأسرة التى لا تستطيع تحمل كلفة علبة اللبن من الصيدلية.. ثم مشهد فقدان أحد الرضع فى الميكروباص والبحث عنه لدرجة أن الأم توقع على ورقة استلام رضيع من أحد المستشفيات ظنا منها انه رضيعها ؟!.. فإذا بالاسرة لديها ثمانية أطفال بدلا من سبعة.. أما مشهد الزوجان والأطفال في برنامج هدى الأيوبى الشهير فهو تجسيد حى لذروة العبث والكشف المؤلم الموجع لحال الإعلام فى وقتنا الحالى وهو أن يبحث عن الترفيه الساذج والمتعة الخادعة والكذب المنظم فيقدم صورا وضيوفا و قصصا وهمية لا تعبر عن الواقع
الإعلام فقد البوصلة والرسالة والمصداقية والدور المنوط به ليقدم برامج تافهة تغرق الجمهور فى بؤر مظلمة وتدور به فى دوائر مفرغة عن طاقات إيجابية منعشة للجمهور بلا أي معنى أو مضمون أو دور او رسالة جادة وحقيقية تبغى التقدم والإصلاح، فالأطفال يتم استبدالهم بعرائس بلاستيكية لأنهم يتسببون في ضوضاء داخل الأستوديو بصراخهم والزوجان يكذبان وتضع المذيعة الشهيرة على لسانهما حكايات وقصص مفبركة لتجمل بها الحلقة مثل أطنان المكياج على وجهها وجهيهما. الإعلام لم تعد لديه رسالة ولا يقدم الحقيقة ولكنه يخدع ويضلل الجميع.. المجتمع ضاغط والطبقة الوسطى تتآكل لدرجة انها تبيع كل منقولات وأثاث المنزل ليحاول الزوج تدبير أموال للسفر والعمل بالخارج.. وكأن الوطن صار طاردا لأبنائه…
المسلسل موجع ولا توجد أى كوميديا ولكنه صرخة في وجه الحقيقة، ووجه المجتمع الذي تحول إلى آلة اقتصادية تمزق الروابط الإنسانية وتتعامل مع الفرد بما يقدمه من نفسه وروحه ووقته وحياته لكى يستطيع أن يعيش على الكفاف بعد ارتفاع كل الأسعار والإيجارات واستغلال أصحاب الأعمال والمال للحاجة والوضع الاقتصادي في فرض سطوتهم على العاملين وكأنهم من العبيد.
محمد اسلام أثبت أنه ممثل متميز وقادر على التلون والتغير والتنقل بين الكوميدي والتراجيدي ،جهاد حسام تمثل بعفوية وصدق وسلاسة، والرائع كمال أبو رية أستاذ.. أما حمزة العيلى فهو نجم لم يجد حتى الآن دوره الحقيقي.. المسلسل كارثة طبيعية
أصابت البشر والنسيج المجتمعى فى مقتل.. دراما سوداء.