بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

خدش للحياء ولا يمكن تبريره

التحرش جريمة أخلاقية وكبيرة شرعية

بوابة الوفد الإلكترونية

تحتل المرأة مكانة عظيمة فى الإسلام، وكرّمها الشرع الشريف فى أكثر من موضع فى كتاب الله والأحاديث النبوية المطهرة، ومنها قول النبى صلى الله عليه وسلم: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ» – رواه الترمذى وابن حبان.

وضمن الإسلام للمرأة حقوقها المُصانة ولا يقبل فى أى حال من الأحوال المساس بها أو التقليل من شأنها، كما أنه لا يجوز شرعًا تعرض المرأة لأى نوع من أنواع الأذى.

ومن جملة ما وفّره الشرع الشريف من حماية وصيانة المرأة جعل الإسلام التعرض لها أذى كبيرا تُحاسب عليه الشريعة الإسلامية بشكل قاطع.

والتحرش جريمة محرّمة فى الشرع الشريف، كما أنها كبيرة من الكبائر، لما فيها من انتهاك للحرمات والأعراض، لا يمكن تبرير التحرش بوصف أو شكل ملابس المرأة؛ إذ أنه تبرير باطل لا يصدر إلا عن أصحاب النفوس المريضة.

قال النبى صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ»، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الِاستطَالَةَ فِى عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ».

حذر الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية الأسبق ورئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب، من سلوك التحرش ضد المرأة، مؤكدًا أنه حرام شرعا ولا يمكن تبريره بأى شكل من الأشكال.

وأوضح «جمعة» أن من السلوكيات القبيحة استباحة التحرش بالمرأة بدعوى أنها ترتدى ملابس لافتة للنظر.

وتابع: التحرش بالإضافة إلى أنه جريمة يعاقب عليها القانون فهو حرام يعاقب عليه رب العالمين، موجها رسالة للشباب قائلا: اتق الله وأمر من حولك بالابتعاد عن التحرش وابتعد عنه فإنه فعل قبيح.

التحرّش جريمة خلقية وكبيرة شرعية

وقال محمد أنور إمام وخطيب ومدرس بالأوقاف، إن التحرّش هو كلّ تصرف أو قول أو إشارة أو نظرة يُقصد بها النيل من كرامة إنسان، أو خدش حيائه، أو انتهاك خصوصيته الجسدية أو النفسية.

وأوضح «أنور» فى حديثه لـ«الوفد»، أن شريعة الإسلام جاءت بآيات قرآنية صريحة فى تحريم كل ما يمسّ الأعراض أو يخدش الحياء. قال تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) [النور: 30]

﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ) [النور: 31].

فالتحرش لا يبدأ بالفعل فقط، بل يبدأ من النظرة والنية الخبيثة، لذلك قال النبى ﷺ: «العينان تزنيان وزناهما النظر» (رواه مسلم).

وأكد أن التحرّش كبيرة من الكبائر لأنه اعتداء على العرض، وجرأة على حدود الله، وظلم لعباد الله، وقد عدّ العلماء كل فعلٍ فيه فاحشة أو مقدّمة إليها من الكبائر، قال ﷺ: «لأن يُطعن فى رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له» (رواه الطبرانى).

ونبّه «أنور» أن من يمس المرأة أو يتلفظ عليها أو يلاحقها يعد جرم عظيم فى الشرع الشريف وتستحق عليه النفس المؤمنة التوبة والردع.

أوضح أن لا علاقة للملبس بجريمة التحرش؛ فالجريمة يتحملها الفاعل وحده، كما أن الإسلام لم يُلقِ اللوم على الضحية، بل جعل المسؤولية على المعتدى الذى أطلق بصره واتبع هواه، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء: 36].

أما الحشمة فهى تكليف شرعى للمرأة تكمل به طهارتها، لكنها لا تبرّر الاعتداء بحالٍ من الأحوال.

أكد الإمام والخطيب بالأوقاف، أن يوم القيامة يُؤخذ للناس حقوقهم كاملة، قال ﷺ: «لتؤدَّنَّ الحقوق إلى أهلها، حتى يُقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء» (رواه مسلم)، مشيرًا إلى أن المتحرّش يأتى يوم القيامة وقد أثقل ظهره بالذنوب، قال تعالى: ﴿وَالَّذِين يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب: 58].

كما أن الإسلام يعتبر المرأة بنتًا وزوجةً وأمًّا وإنسانة، فجعل لها من الحقوق ما لم تعرفه البشرية من قبل، قال ﷺ: «استوصوا بالنساء خيرًا» (متفق عليه)، وقال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة: 228]، فكرامتها فى الإسلام ليست فضلًا من أحد، بل حقٌّ من الله.

وقال إن النظر للمرأة بريبة وشهوة محرّم، أما النظرة العفوية التى لا قصد فيها فلا إثم فيها، قال ﷺ لعلىّ رضى الله عنه: «يا علىّ، لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى وليست لك الثانية» (رواه أحمد).

أوضح «أنور» أن الإسلام عالج قضية التحرّش من الجذر؛ إذ أمر بغضّ البصر، كما أمر بالحياء والحشمة، وحرّم الخلوة والاختلاط المريب، فضلًا عن أنه أمر الرجال والنساء بالتقوى والاحترام المتبادل، مؤكدًا أن الإسلام لم ينتظر وقوع الجريمة ليعاقب، بل منع أسبابها من الأصل.

جريمة محرمة وكبيرة

وقال الدكتور هشام ربيع، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن التَّحَرُّش -بالقول أو الفِعْل- جريمةٌ مُحَرَّمةٌ شرعًا، وكبيرةٌ مِن الكبائر؛ لما فيه مِن الاستطالة على الحُرُمات والأَعْرَاض.

وأكد «ربيع» أن مشكلة التحرش تكمن فى سلوك الـمُعتدِى، لا فى لباس الضحية، مشيرًا إلى أن إلقاء اللوم على شَكْل أو نوع ملابس المرأة هو مِن القيود على حريتها وكرامتها، وتبريرهم لذلك لا يَصدُر إلَّا عن ذوى النفوس المريضة والأهواء الدنيئة.

وأضاف أن الشرع الشريف أمر الـمُسْلِم بغضِّ البصر عن المحرَّمات فى كل الأحوال والظروف، دون تسويغٍ شيطانى للوقوع فى المحذور المنهى عنه؛ وذلك امتثالًا لقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30، 31].

ويمكن حل مشكلة التحرش، عن طريق تفعيل قوانين رادعة، وذلك حتى يتم التصدى لهذه الظاهرة بكل حزم، وفى ذلك حماية للمجتمع وصَون للكرامة الإنسانية.