الابن ألقى والدته من البلكونة لرفضها إعطاءه أموالًا
فى مدينة ساحلية تبدو هادئة من بعيد لكنها تضج فى أعماقها بحكايات لا تروى، هنا مدينة «بورسعيد» تستيقظ على صباح بارد يحمل رائحة الملح وأصداء المراكب، صباح عادى حتى دوى الخبر كالصاعقة، سيدة سقطت من شرفة منزلها.. وأبنها القاتل!.
كان باب 20 الجمركى فى حى الشرق يشهد حركة الناس المعتادة إلى أن اخترق الصمت صوت ارتطام عنيف أجبر المارة على التجمع بخوف وارتباك.. هناك عند أسفل العمارة ذات الطابقين كانت شيماء شلبى امرأة خمسينية عرفت بين جيرانها بهدوئها ملقاة على الأرض عينان نصف مفتوحتين تبحثان عن نجاةٍ وصوت مخنوق لم يخرج.
دقائق معدودة ووصلت سيارة الإسعاف حملتها مسرعة إلى مستشفى السلام.. لكن القدر كان أسرع، وبينما كان ابنها يركض فى الشوارع الخلفية تائها بين خوف وصوت ضجيج داخلى لا يتوقف اعتاد على الهروب، لكنه هذه المرة كان يهرب من كارثة شيطانية ليس من مطاردة الشرطة.. كان يهرب من نفسه.
منذ سنوات بدأت ملامح الشر تظهر عليه تدريجيا خلافات لا تهدأ نوبات غضب لا يسيطر عليها وطلب مستمر للمال الذى لا يعرف أين يذهب والداه حملا همه طويلا حتى إنهما فى واقعة سابقة حملا جروحا على جسديهما يوم حاول الاعتداء عليهما بسكين نقلت الأم والأب إلى المستشفى حينها، وتدخل الجيران وتمت السيطرة على الموقف لكن شيئًا ما انكسر ولم يصلح.
فى اليوم المشئوم وقف المتهم فى الشرفة الضيقة قبل دقائق من السقوط لتبدأ المشاجرة بعد طلبه أموال فترفض الضحية منحه أى أموال لتبدأ المشاجرة.. الأم «شيماء» بصوت متعب حاولت أن تردعه أن تضع حدا كانت تعرف أن شيئا خطيرا يقترب منها، بينما وقف المتهم بملامح مشتعلة يكرر:«عايز فلوس.. دلوقتى!».. رفضت طلبه مرة أخرى.
كانت تلك الكلمات كشرارة فى قلب الابن اقترب منها ليدفعها بجنون لا يعرف عواقبه تراجعت خطوتين.. ثم خطوة ثالثة.. ثم انفتح الهواء خلف ظهرها لم تستطع تمالك نفسها جسدها الهزيل كان أقوى من دفعة الابن لم تتمكن إلا من إطلاق شهقة واحدة بينما تتلاشى الأرض من تحت قدميها ليتغير كل شىء فى لحظة واحدة.
لحظات قليلة ووصل البلاغ إلى مديرية أمن بورسعيد، تحركت الأجهزة الأمنية بسرعة بقيادة اللواء محمد الجمسى، واللواء ضياء زامل، فريق بحث يتتبع خط سير متهمٍ يركض بلا هدف يلتقطون كاميرات يسألون شهودا يلاحقون ظلاله فى الشوارع.
لم يدم الأمر طويلا خلال ساعات أُلقى القبض عليه فى أحد الأزقة الضيقة منهارا ومتعرقا يحاول أن يلتقط أنفاسه..أو يلتقط كذبة يختبئ خلفها واقتيد إلى القسم، فيما كانت أصداء غضب الناس تتردد فى كل مكان:
«إزاى يقتل أمه؟!» دا كان حاول يقتلهم قبل كده. «حرام... المسكينة متستاهلش».
فى المشرحة كان الجثمان مسجى تحت ضوءٍ بارد ينتظر قرار النيابة بالتشريح الهدوء هناك ثقيل كأن الهواء يأبى رحيل شيماء أو يخجل من نهايتها، النيابة أمرت بفتح التحقيق وتفاصيل الواقعة بدأت تتكشف التحريات أكدت أن الخلافات كانت متكررة وأن الأم حاولت مرارا حماية نفسها وزوجها، لكن الرحمة التى تسكن قلبها كانت دائما أقوى من الخوف لم تتخلى عن ابنها حتى فى أقسى لحظات حياته.. فكانت النهاية أن تخلى هو عنها.
أما الجيران فقد تحولت شهاداتهم إلى مرآة ترى فيها شيماء للمرة الأخيرة كما عرفوها:
امرأة طيبة متعبة تخفى جروحها بابتسامة
و«أم» لم تكن تتوقع أن تكون نهايتها على يد من حملته يوما بين ذراعيها ليصبح باب 20 الجمركى محطة للناس يمرون من أمامه ويتوقفون لحظة يتنهدون ويرددون دعاء على روح صعدت قبل أوانها.