رؤية
الدولة والفوضى
الدولة نظام وأمان واستقرار، الدولة حماية، الدولة ثقة، الدولة مؤسسات لا عصابات، الدولة أجهزة لا ميليشيات، الدولة بنى فكرية وسياسية واقتصادية وتنظيمية وتشريعية، والفوضى عكس ذلك كله، فهى اللانظام، واللامؤسسات، واللاأمن، واللاأمان، واللااستقرار، وهكذا سلسلة من السلبيات لا الإيجابيات.
وقد حاول أعداء الأمة أن يسوقوا لهذه الفوضى، وأن يجملوا وجهها ببعض المساحيق المسرطنة، فقالوا: الفوضى الخلاقة، والفوضى البناءة، الفوضى الفاعلة، فى مؤامرات خسيسة ودنيئة وقذرة لتفكيك دولنا، والوصول بها إلى دويلات صغيرة وعصابات متناحرة، وبالأحرى اللادولة على نحو ما نرى حولنا فى كثير من دول المنطقة، كل ذلك لتسهل السيطرة على هذه الدويلات، ونهب خيراتها والاستيلاء على مقدراتها والتحكم فى قراراتها وتوجهاتها، أو التخلص من كيانها لو وجدوا إلى ذلك سبيلاً، ونسج مسخ جديد منبت الصلة عن ماضيه وحاضره، حائر متوجس من مستقبله، أو لا أمل له فيه أصلاً.
ولا شك فى أن الفوضى التى تحدث حولنا مخطط لها جيداً، وتنفق على تنفيذها أموال طائلة، ويجند لها ضعاف النفوس من الخونة والعملاء، وقد أثبتت لنا الحروب الأخيرة أن حرب المعلومات والجواسيس واختراق الصف الداخلى هى الأدوات الفاعلة الحقيقية فى الحروب الحديثة، ما يتطلب أخذ الحيطة والحذر وبذل أقصى الجهد لتحصين الجبهات الداخلية بدولنا، لتكون عصية على الاختراق، مع بذل الوسع والطاقة فى تطهير صفنا الداخلى من العملاء المأجورين وقطع دابرهم، إذ يجب علينا التصدى بكل قوة وحسم لما ترمى إليه الجماعات الإرهابية والمتطرفة وأهل الشر وأذناب العدو من محاولة زعزعة استقرار المجتمع من خلال عمليات التخريب والتدمير وترويع الآمنين واستهدافهم وإطلاق الشائعات للتأثير على المجتمع وخلخلة ثوابته وثقته فى قيادته، والفت فى عضده، ففى الوقت الذى تحيط فيه بنا المخاطر من جوانب متعددة يعمل هؤلاء المجرمون على بث الشعور باليأس والإحباط فى نفوس الناس، فسلاح الشائعات المحبطة أحد أهم جوانب حروب الجيل الرابع والجيل الخامس، وقد دعانا ديننا الحنيف إلى ضرورة التثبت والتحقق من الأخبار قبل نشرها أو إذاعتها أو الأخذ بها، حيث يقول الحق سبحانه: «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين» (الحجرات: ٦)، ما يتطلب من ضرورة التحقق والتثبت، كما يتطلب مواجهة فكرية ومؤسسية وأمنية معاً لتفنيد الشائعات والأكاذيب، وبث روح التفاؤل والأمل، والعمل بكل حسم على تطهير جبهتنا الداخلية من الخونة والعملاء والمأجورين وأذناب العدو وعملائه، فعلى حد قول الشاعر العراقى محمد مهدى الجوهرى:
ولقد رأى المستعمرون فرائسا
منا وألفـــــوا كلب صيد سائبــا
فتعهدوه فراح طوع بنانهـــــم
يبـــرون أنياباً لـــــه ومخالبـــــــا
مستأجرين يخربون بيوتهـــــم
ويكافأون على الخراب رواتبا
وينبغى أن ندرك جميعاً أننا فى مرحلة فارقة من تاريخنا سواء على مستوى الوطن، أم مستوى الأمة، أم مستوى المنطقة، وهذا يستدعى من جميع الوطنيين الشرفاء إيثار المصلحة العامة على أى مصلحة شخصية أو حزبية أو نفعية، وأن نعمل جميعاً على كشف أى متآمر على الوطن وأصحاب المصالح والمطامع الدنيئة، وأن نعظم ثقتنا فى الله عز وجل «والله غالب على أمره ولـكن أكثر الناس لا يعلمون» (يوسف: 21).
الأستاذ بجامعة الأزهر