بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

مشكلة دور النشر في مصر

تكاثرت في الفترة الأخيرة دور النشر الصغيرة في مصر إلى درجة محيرة كثيرا، فقد ظهرت في السوق عشرات الدور التي تعلن عن نفسها هنا وهناك، وتسعى لجذب المؤلفين والقراء.
لا أحد يعرف سبب هذا التوالد الكبير الذي يتناقض مع ارتفاع تكاليف الإنتاج، وتناقص عدد الذين يقبلون على شراء الكتب بعد ارتفاع أسعارها إلى أرقام لم تكن تخطر على البال، فالرواية البوليسية التي كنا نشتريها ببضعة قروش، أصبحت تباع اليوم بـ800 جنيه، وهو ما يجعلنا نترحم على رائد الرواية العربية نجيب محفوظ الذي كانت كتبه تباع بقروش عندما كانت تصدر في الستينيات عن مكتبة مصر. 
السبب الثاني الواضح لتراجع الإقبال على شراء الكتب هو القرصنة والنشر الالكتروني الذي يتيح إمكانية تحميل الكتب مجانا مع تجاهل حقوق المؤلفين والناشرين.
ورغم ذلك فدور النشر تتكاثر كما أشرت، في حين يجب أن تنحسر. والملاحظ أن الكثير منها ليس له مقر محدد، بل يمارس هؤلاء الناشرون عملهم من على المقاهي لتفادي دفع إيجارات للمقار، أو ضرائب عقارية وفواتير الكهرباء والغاز والتليفون ورواتب الموظفين، وغير ذلك. وهي ظاهرة عجيبة حقا، خاصة عندما نعرف أيضا أن اتحاد الناشرين المصريين يعترف بهذه الدور ويمنحها عضويته رغم عدم وجود عناوين محددة لممارسة نشاطها، بل مجرد صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي!
وعندما سألت من يستطيع الإجابة عن هذا السؤال، قيل لي إن هؤلاء الناشرين يقدمون طلباتهم مرفقة ببطاقة ضريبية وسجل تجاري، وهذا هو كل المطلوب طبقا للوائح الاتحاد!
أما الملاحظة التي أدهشتني شخصيا، فهي أن هذه الدور الجديدة تتفنن في اتخاذ أسماء غريبة لها ليس من الممكن لأي قاريء فهما مدلولاتها ومعانيها، فماذا يعني هذا سوى أن يكون الولع بكل ما هو غريب وعجيب ومستغلق على الفهم! 
في الماضي كانت دور النشر تحمل أسماء جميلة وواضحة وسهلة الفهم، يمكنها أن ترسخ في الذاكرة مثل نهضة مصر، ابن خلدون، الفارابي، التحرير، التنوير، التكوين، المعارف، الرواق.. وغيرها. أما اليوم فأنت لن يمكنك أبدا أن تعرف ما معنى الأسماء الجديدة لتلك الدور مهما اجتهدت، ولابد أن تبحث وتنقب، فهل إصابة القاريء بالحيرة هو المقصود؟!
المشكلة الأكبر هي أن الغالبية العظمى من دور النشر المصرية أصبحت أيضا تعتمد على ما يمكنها الحصول عليه من تمويل من المؤلف نفسه، وبالتالي أصبح أنصاف الكتاب وهواة الشهرة الذين يملكون بعض المال ويرغبون في نشر مجموعة قصصية أو رواية مثلا أو أي شيء، هم المرحب بهم أكثر من الكتاب المعروفين الذين يستنكفون أصلا أن يدفعوا مقابل نشر أعمالهم، بل الطبيعي هو أن يحصلوا على مقابل لبيع حقوق النشر. 
وفي أفضل الأحوال، ولأن دور النشر ترغب أيضا في الحصول على كتب لأسماء كتاب معروفين حتى تدعم صورتها أمام القراء وفي المعارض الدولية، فهي تتكرم بمنح المؤلف بضعة نسخ من كتابه، ثم احتكار توزيع الكتاب والحصول على أي عائد يمكن الحصول عليه. وأما النسبة التي يخصصونها أحيانا للمؤلفين من بيع الكتاب، فلا يوفون بها أبدا، ولا يعترفون قط بما يحصلون عليه من عملات "صعبة" في المعارض الخارجية. وطبيعي أن المؤلف عندما يطلب بيانا تفصيليا بالتوزيع، فإنهم قد يستجيبون ويرسلونه له بعد مرور عام أو أكثر، بينما يفيد بأن كمية المرتجع من كتابه أكثر من المطبوع!
والله الموفق والمستعان.