بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

كلمات:

خطيئة "دولة التلاوة"

هل من العقل أو الدين أو المنطق أن نتعامل مع المقدَّس بالطريقة نفسها التي نتعامل بها مع غير المقدَّس؟..  وهل يصح  أن نتعامل مع الذهب بالطريقة نفسها التي نتعامل بها مع التراب ـ مثلًا؟

الإجابة البديهية: لا.

 

لكن الحقيقة أن ذلك يحدث بدرجة كبيرة  في برنامج "دولة التلاوة".

 

وقبل أن تغضب، تعالَ نناقش الأمر بالعقل.

 

صحيح أن البرنامج أحدث ضجة واسعة ودويًا كبيرًا ويحظى بمتابعة ضخمة بين المصريين، لكن من قال إن الانتشار السريع دليل جودة؟

ولنا في "المزرعة السعيدة" خير شاهد؛ فقد كانت اللعبة حديث مصر كلها، ومارسها الملايين من مختلف الأعمار، ووصل الأمر إلى أن من لا يلعبها كان يُعتبر عند البعض "متخلفًا" أو جامدًا وغير متطور. فأين هي "المزرعة السعيدة" اليوم؟

 

ولدينا دليل آخر من التريندات اليومية؛ فكم من تريند أنتشر وشاع وذاع ، صنعه أشباه الرجال وسواقط النساء وتوافه الأمور!.

 

وإذا تجاوزنا فكرة الانتشار، نصل إلى النقطة الأخطر، وهي أن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة، والنية المعلنة لبرنامج "دولة التلاوة" تبدو نبيلة: اكتشاف أصحاب الأصوات الجميلة في تلاوة القرآن، ودعمهم ليصبحوا قرّاء مشهورين.

 ولا خلاف على نبل الهدف، ولكن السؤال الجوهري:

هل يجوز أن نتعامل مع القرآن بالطريقة نفسها التي تتعامل بها برامج اكتشاف الأصوات الغنائية؟

 

من يشاهد البرنامج سيكتشف بسهولة حجم التطابق مع برامج المواهب الغنائية:

نفس المؤثرات، نفس الإضاءة، نفس الإحراج، نفس  أسلوب العرض، نفس طريقة التقديم، نفس فلسفة التقييم، نفس لغة لجنة التحكيم، نفس صياح الجمهور، حتى طريقة وضع ميكروفون مقدّمة البرنامج ووضعية المتسابق… كل شيء يشبه مسابقات الغناء، وكأننا أمام "ستار أكاديمي" بنكهة قرآنية.

 

وهنا مكمن الخطر: إنهم يتعاملون مع القرآن كأنه أغنية… أصوات يطربون بها ويتمايلون عليها!

يا سادة: القرآن يُتلى ليستمع الناس ويُنصتوا:

"وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا"

لا ليهتفوا ويصفّقوا ويتمايلوا.

 

البرنامج بصيغته الحالية سيصنع قارئًا يستعرض صوته كما يستعرض المغني موهبته، وسيمنح الجمهور إحساسًا بأن القرآن جزء من "عرض" أو "شو"… لا خطاب إلهي يحتاج خشوعًا وتوقيرًا وتدبرًا.

 

وليس ذلك تحذيرًا نظريًا؛ فقد حاول البعض من قبل خلط القرآن بالغناء، والموسيقار الكبير -الراحل -رياض السنباطي قال في حوار مع الكاتب –الراحل- أنيس منصور- رحمة الله عليهما- إن حلمه وأم كلثوم كان تلحين سورة الرحمن وغناءها.

وحدث أن غنّت أم كلثوم آية في "الثلاثية المقدسة" بعد إدخال تعديل طفيف عليها؛ فبدلًا من "وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى"، غنّت: "والضحى والليل أما سجى".

 

وفي عام 1956، قالت لجنة الفتوى في الفتوى رقم 4440 قولها الفصل:لا يجوز تحويل القرآن إلى مادة طرب أو لهو، ولا تقديمه بطريقة تُخرجه عن جلاله وقدسيته.

 

الخلاصة: القرآن أعظم من أن يُقاس بمقاييس برامج الهواة، وأجلّ من أن يُعامل كما تُعامل الأغاني، وأرفع من أن يخضع لمنطق المنافسة والاستعراض والإبهار.

 

احذروا… فالخلط بين الذهب والتراب يبدأ بخطوة واحدة، ومثل هذه الخطوة هي أكبر خطيئة لدولة التلاوة.

            والله أعلم