فوضى التكريمات الفنية.. أمطار في مواسم خاطئة
تعيش الساحة الفنية في مصر اليوم مرحلة يغلفها ارتباك واضح، مع اتساع رقعة التكريمات والجوائز حتى باتت أشبه بأمطار تهطل في مواسم خاطئة.
أضواء كثيرة تُشعل مسارح صغيرة وكبيرة، لكنها لا تكشف عن أي معيار حقيقي؛ الحقيقة تضيع بين دروع لامعة وصور تُلتقط على عجل، وكأن الجوائز صارت غاية في ذاتها، لا نتيجة لمسار فني يستحق الوقوف عنده.
في قلب هذا الفيض، ظهر مشهد أثار حيرة المتابعين: مطربة شعبية تحاصرها ضجة واسعة بسبب مقاطع منسوبة إليها، ثم تصبح في ليلة واحدة “مكرمة”، تتصدّر الصفوف وتستحوذ على الاهتمام. ليس لأنها قدّمت عملًا جديدًا أو تمتلك حضورًا فنيًا طاغيًا، بل لأن منصة ما قررت منحها جائزة، وكأن التكريم اليوم يُعطى لمن يلبّي الدعوة فقط، لا لمن يملك تجربة فنية تُقرأ وتُقدّر.
الظاهرة تتسع وتتكرر. مؤسسات خاصة تمنح دروعًا مزخرفة بالألوان والشرائط، دون أن يُطرح السؤال الأساسي: لماذا هذا الاسم؟ وما الذي يميّزه؟ هنا لا مجال لحديث عن منافسة أو تقييم أو إنجاز؛ فالأمر لا يتجاوز ترتيب مقاعد ربما يسبق فيه الدرع الفنان إلى المهرجان.
ولكن المأزق الحقيقي يظهر عندما تمتد هذه الفوضى إلى منصات لها صبغة رسمية أو شبه رسمية، كما حدث في مهرجان شرم الشيخ الدولي لمسرح الشباب في دورته العاشرة، الذي يُقام في الفترة من 25 نوفمبر وحتى 30 نوفمبر، حيث حملت الدورة اسم الفنانة إلهام شاهين، وتقرر تكريم الفنانة يسرا داخل مهرجان يُفترض أنه يحتفي بالمسرح ويحتضن تجاربه.
وبقدر الاحترام لمكانة يسرا الفنية، يظل السؤال مطروحًا: ما الذي يربط تاريخها بهذه الخشبة تحديدًا؟ وكيف تُقدَّم جائزة مسرحية في فعالية تخضع لإشراف وزارة الثقافة والهيئة العامة لقصور الثقافة، دون الاستناد إلى رصيد مسرحي واضح؟
الفارق واضح بين فنانة لمع اسمها في السينما والدراما التلفزيونية، وبين القامة المسرحية الكبيرة الراحلة سميحة أيوب، التي حملت عقودًا من العطاء على خشبة المسرح وقدمت أعمالًا رسخت حضورها كواحدة من أبرز من مرّوا بتاريخ المسرح العربي. المقارنة هنا ليست للانتقاص من أحد، بل لإظهار التباين بين من صنع ذاكرة كاملة على الخشبة، ومن مر مرورًا خفيفًا لا يكفي لتتويجه بلقب أو درع.
الجهات الخاصة قد تُلام أو تُعذر، فهي تعمل وفق رؤيتها ومساراتها الدعائية أو التجارية. أما الجهات الرسمية، فتتحمل مسؤولية أكبر، لأنها تمنح التكريم صفة تُسجّل في الذاكرة الثقافية، وتُرسّخ تصور الجمهور عن قيمة الفن وأهله. وعندما لا تُطرح الأسئلة في مكانها، يصبح التكريم فعلًا بلا جذور، والجوائز أوراقًا لامعة لا تضيف لمعنى الإبداع شيئًا.
الفن لا يحتاج إلى دروع تتكاثر، بل إلى معايير تصون قيمة الجائزة وتحميها من الابتذال.
وما لم تستعد المؤسسات دورها في غربلة المشهد، سيظل التكريم في مصر حالة تتوه فيها البوصلة، ويغيب صوت الاستحقاق وسط ضجيج الاحتفالات العارضة، بينما ينتظر الفن الحقيقي من يعيد إليه احترامه المستحق.