طلاب يطورون مشاريع نقل ذكية.. ووزراء عرب ودوليين يؤكدون مكانة مصر الحيوية
مع تسارع وتيرة التحول الرقمي عالمياً، تبرز مصر كفاعل رئيسي في سباق توظيف الذكاء الاصطناعي في كافة المجالات، و لم يعد الابتكار حكراً على الشركات التقنية العملاقة، بل أصبح ينبثق من قاعات المحاضرات في الجامعات، حيث تتحول أفكار الطلاب إلى مشاريع ناشئة قادرة على منافسة أحدث التقنيات العالمية.
كانت المشاركة اللافتة للأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري في مؤتمر "TransMEA 2025" للصناعة والنقل لعام ٢٠٢٥ بمثابة شهادة حية على هذا التحول، حيث قدم طلاب الأكاديمية مجموعة من مشاريع التخرج المتطورة التي تجسد التطبيق العملي للذكاء الاصطناعي.

وأوضح الدكتور إسماعيل عبد الغفار، رئيس الأكاديمية، أن هذه المشاريع تشهد "نقلة نوعية"، لم تعد مجرد أفكار أكاديمية، بل تحولت إلى نماذج حقيقية ناشئة قادرة على المنافسة على أرض الواقع. وشملت المشروعات المعروضة أنظمة النقل الذكي منها سيارات وطائرات ذاتية القيادة ، والروبوتات، والغواصات عالية التقنية، ونماذج محاكاة النظم البحرية.
ومن أبرز النماذج التطبيقية التي جذبت الانتباه كان "الروبوت النادل" الذي يحمل اسم "روبرت". أوضح المشرفون على المشروع أن الطلاب هم من طوروا النظام بالكامل، وهو مصمم لإدارة المطعم بشكل متكامل وآمن. يبدأ النظام بجلوس العميل واختيار طلبه عبر لوحة تفاعلية، ليتلقى المطبخ الطلب آلياً. ليس هذا فحسب، ثم يحمله النادل الروبوت والذي يتمتع بقدرة على التفاعل مع العملاء، حيث يقدم توصيات للوجبات بناءً على تفضيلات العميل وحساسيته من مكونات معينة، مما يضفي طابعًا إنسانيًا على التفاعل
وفي خطوة هي الأولى من نوعها محلياً، كشفت الأكاديمية بالتعاون مع شركة bright drive العالمية عن نموذج أولي لسيارة ذاتية القيادة تم تطويرها واختبارها بالكامل في "القرية الذكية" بمصر.
وأشار الدكتور أحمد ثابت أستاذ المساعد بكلية الهندسة بالاكاديمية، إلى أن السيارة تستخدم أحدث تقنيات القيادة الذاتية، حيث تعتمد على نظام متكامل لتجنب العوائق والمركبات والمشاة، مدعومة بنظام "GPS" وخرائط إلكترونية تمكنها من تنفيذ مسارات محددة تلقائياً بدقة عالية. وأضاف أن الحساسات المتطورة المزودة بها تتيح لها التحرك بأمان وكفاءة، مما يقلل وقت التنقل ويرفع مستويات الأمان.
وتوقع الدكتور أحمد أن تتوفر هذه السيارة في الأسواق المصرية خلال خمس سنوات، لتنافس بشدة السيارات الذكية الصينية والأمريكية من حيث المواصفات والسعر، معتبراً المشروع "مصدر فخر وطني" يبرز قدرات الشباب المصري.
وعن الطائرة ذاتية القيادة ، قال د.أحمد انها ثمرة 13 عاماً من البحث والتطوير لطلاب الأكاديمية، حيث أن الطائرة تتمتع بقدرات متعددة، حيث يمكنها التحليق لمدة ساعة كاملة بسرعة 30 كم/ساعة، وحمل أوزان تصل إلى 10 كجم، والطيران لمسافة 300 متر، كما تمتاز بنظام تصوير متطور يمكنها من التقاط صور دقيقة من ارتفاع متر ، مما يفتح الباب أمام تطبيقات واسعة في مجالات المساحة والزراعة والمراقبة البيئية.

وأكد المهندس أحمد الحسيني، قائد فريق المشروع أن النموذج حظي باعتراف عالمي من خلال مشاركة فريق المهندسين المصمم في مسابقات دولية مرموقة، و حقق المركز الثاني في إحدى مسابقات الأنظمة الذاتية، وجاء في المركز السادس والعشرين عالمياً في مسابقة SEOS المتخصصة في المراقبة الذكية. ، أن هذا النموذج يمثل نقلة نوعية في تطوير استخدامات الطائرات الذكية، معرباً عن تطلعاته لتطوير حلول تقنية مبتكرة تخدم الاحتياجات المدنية والعسكرية على حد سواء، مما يعزز مكانة مصر في خريطة الابتكار التكنولوجي العالمي.
هذه الابتكارات المحلية لا تنفصل عن السياق الإقليمي الأوسع. ففي الندوات المصاحبة للمؤتمر، ناقش وزراء النقل من قطر، السعودية، إيطاليا، تركيا، اليونان، وجنوب أفريقيا سبل تعزيز التعاون والتكامل في النقل لخلق أسواق تجارية أكبر، مستعينين بالذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة سلاسل التوريد.
وأشار نائب وزير النقل الإيطالي، إدواردو ريكسي، إلى التعاون المستمر مع مصر التي تنتهج رؤية متكاملة لترسيخ مكانتها كمركز إقليمي للنقل واللوجستيات، مستفيدة من موقعها الاستراتيجي وبنيتها التحتية المتطورة. مؤكداً أن مشاريع تطوير الموانئ المصرية والنقل النهري تسهم بشكل فعال في ربط أوروبا بإفريقيا والعالم العربي، مما يجعل الموانئ المصرية نقاط ارتكاز محورية في سلاسل الإمداد العالمية.
استراتيجيات طموحة للربط والرقمنة
من جانبه، أكد السفير الدكتور علي بن إبراهيم المالكي، الأمين العام المساعد بجامعة الدول العربية، أن الأمانة العامة تولي اهتماماً كبيراً لتعميق التعاون العربي في قطاع النقل. وأشار إلى اعتماد العديد من الاتفاقيات العربية ومشاريع الاستراتيجيات الطموحة لربط الوطن العربي بشبكات رئيسية من الطرق والسكك الحديدية والنقل البحري والجوي.
وتشمل أجندة التطوير العربية مجالات حيوية مثل البرنامج العربي للحد من الكوارث البحرية، وتعزيز الأمن السيبراني في الطيران المدني، ووضع استراتيجية عربية موحدة للسلامة المرورية، واستخدامات الطاقة النظيفة في النقل البري، ومتابعة إنشاء البوابة الإلكترونية للنقل البري بين الدول العربية.

تشكل هذه التطورات مجتمعة خريطة طريق واضحة لمستقبل النقل في مصر والمنطقة العربية. إن التكامل الفريد بين الابتكار الأكاديمي والرؤى الحكومية والشراكات العالمية يضع الذكاء الاصطناعي في صلب عملية التطوير، محولاً التحديات التقنية إلى فرص حقيقية للنمو الاقتصادي والتنمية المستدامة، ويعيد لمصر تدريجياً دورها التاريخي كحلقة وصل حيوية في شبكة التجارة العالمية.