فضيحة العمال الأشباح.. مخطط احتيالي تورط فيه أمريكيون لمساعدة كوريا الشمالية على اختراق الشركات وجني مئات الآلاف
في قضية مثيرة كشفتها وزارة العدل الأمريكية، أقرّ خمسة أشخاص بالذنب في تورطهم في مخطط احتيالي ضخم يهدف إلى تمكين عمال كوريين شماليين من انتحال صفة موظفين أمريكيين يعملون عن بُعد، ما سمح لهم بالتحايل على العقوبات الدولية واختراق منظومات شركات أمريكية وتحويل أرباحها إلى بيونج يانج.
القضية، التي تُعد من أكبر عمليات التلاعب بالهويات في سياق الأمن السيبراني خلال السنوات الأخيرة، تعكس مدى تطور أساليب كوريا الشمالية في الالتفاف على القيود المفروضة عليها وتمويل برامج التسلح.
وتوضح وزارة العدل الأمريكية أن المتهمين كانوا على دراية تامة بأنهم يقدمون دعمًا مباشرًا لعمال كوريين شماليين، حيث قدّموا لهم هويات مزيفة أو مسروقة، واستخدموا بياناتهم الشخصية للحصول على وظائف حساسة في شركات أمريكية تحت غطاء العمالة عن بُعد.
ولم يتوقف الأمر عند تزويدهم بالهويات فحسب، بل قام بعض هؤلاء الوسطاء باستضافة أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بالشركات الأمريكية داخل منازلهم في ولايات متعددة بهدف إخفاء الموقع الحقيقي للعمال وتضليل أنظمة الأمن الخاصة بالشركات.
وفي حالات أخرى، ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك، حيث أجروا اختبارات المخدرات المطلوبة للتوظيف نيابة عن العمال المنتحلين، لضمان تجاوزهم كافة مراحل التحقق المتعلقة بالعمل. وتُظهر هذه التفاصيل مدى اتساع الشبكة ودقة التخطيط الذي اعتمد عليه الكوريون الشماليون لاختراق الشركات الأمريكية عبر بوابة الوظائف التقنية عن بُعد.
وتشير وزارة العدل إلى أن ثلاثة من المتورطين — أودريكوس باجناساي، وجيسون سالازار، وألكسندر بول ترافيس — اعترفوا بتورطهم في مؤامرة احتيال إلكتروني جرى خلالها تسهيل حصول الكوريين الشماليين على وظائف داخل شركات أمريكية مقابل مبالغ مالية متفاوتة. وتكشف التحقيقات أن ترافيس حصل على ما لا يقل عن 51,397 دولارًا مقابل خدماته، بينما حصل باغناساي وسالازار على 3,450 دولارًا و4,500 دولار على التوالي.
إلى جانب هؤلاء، برز اسم وسيط آخر هو إريك نتيكيريزي برينس، الذي استخدم شركته الخاصة لتوفير عمال تكنولوجيا معلومات “معتمدين” لشركات أمريكية، رغم معرفته بأن هؤلاء الأفراد يعملون بهويات مسروقة. وقد حقق برينس مكاسب تجاوزت 89,000 دولار مقابل دوره، قبل أن يقر بالذنب في تهمة التآمر على الاحتيال الإلكتروني.
أما المتهم الخامس، أوليكساندر ديدينكو، فيُعد الأكثر خطورة في هذه الشبكة. فقد اعترف في تهمتين: التآمر على الاحتيال الإلكتروني، وسرقة الهوية المشددة. وتشير الوثائق إلى أنه ساعد عمال تكنولوجيا المعلومات الأجانب في التسلل إلى 40 شركة أمريكية عبر هويات مزورة، وسيخضع لغرامة تبلغ 1.4 مليون دولار كجزء من الاتفاق القضائي.
وتعليقًا على هذه القضية، أصدر المدعي العام الأمريكي جيسون أ. ريدينج كوينونيس بيانًا شديد اللهجة أكد فيه أن الولايات المتحدة لن تسمح لكوريا الشمالية باستخدام الشركات الأمريكية كأداة لتمويل برامج أسلحتها.
وقال: “هذه الملاحقات القضائية تؤكد نقطة واحدة: لن نسمح لكوريا الشمالية بتمويل برامج أسلحتها من خلال استغلال الشركات والعمال الأمريكيين”.
وأضاف: “سنواصل العمل مع شركائنا في وزارة العدل لكشف هذه المخططات واستعادة الأموال المسروقة وملاحقة كل من يسهّل عمليات كوريا الشمالية”.
وتسلط هذه القضية الضوء على ثغرات خطيرة تواجهها الشركات في عصر العمل عن بُعد، حيث أصبحت الهويات الرقمية بوابة ذهبية للعصابات الدولية والدول الخاضعة للعقوبات للنفاذ إلى الأسواق الغربية. كما تعزز الحاجة إلى تشديد أنظمة التحقق، وتطوير حلول أكثر صرامة لحماية البنية التحتية الرقمية للشركات، خاصة مع تزايد اعتمادها على موظفين يعملون من خارج مواقع العمل التقليدية.
وبينما تستمر التحقيقات في الكشف عن شبكات أخرى قد تكون متورطة، تقدم هذه القضية درسًا صارمًا حول التهديدات الجديدة التي تتجاوز القرصنة التقليدية، وتدخل مرحلة أكثر تعقيدًا تعتمد على البشر، والهويات المزيفة، والتلاعب بسلاسة في منظومات التوظيف الأمريكية عبر الإنترنت.