بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

انتخابات خارج الصندوق

ارتبطتُ منذ زمن ليس ببعيد بصورة المرشح صاحب الهيبة والنفوذ العائلى والمادى أوالسلطوى، مرشح يخوض انتخابات جادة يخشى فيها الخسارة رغم قوته، يترقب بقلق لحظات التصويت ومتابعة اللجان، يجلس متوترًا شاحب اللون أمام عمليات فرز الصناديق قبل الإعلان عن النتيجة النهائية، كان المرشح فى هذا النموذج يتنقل بين القرى والشوارع والأزقة جارًا خلفه جيوشًا من المؤيدين، متكئًا على شعبيته وما يطلقه من وعود انتخابية فى محاولة لكسب المزيد من الأصوات.

تحوَّر هذا النموذج التقليدى بعد الاندماج فى عملية انتخابية صار فيها شراء صوت الفقير بكرتونة زيت ووجبة دسمة وأحيانًا «ورقة بمائه جنيه»، ورقة رابحة وأحيانًا حاسمة لمن يجلس على كرسى البرلمان، فبات لدى المرشح فى هذا النموذج القناعة بأن شراء الأصوات أسهل من جولات الإقناع والسعى إلى كسبها، وأضحى استغلال حاجة الفقير الذى لا تعنيه ما يفرزه الصندوق بقدر ما تمثله وجبة دسمة له ولأولاده، وسيلة للانتصار.

تدحرجت الأيام وتدحرجت معها الكرة وزادت عملية التحوَّر والتطور، وصار شراء الأصوات عملية عفى عليها الزمن، فخسر الفقير الوجبة والكرتونة والورقة النقدية فى تلك المرحلة، وأصبح الحديث عن المال السياسى وهندسة الأصوات لفوز مرشح بعينه أمرًا مألوفًا بين الناس، وكأن ما يجرى هو السياق الطبيعى لدحرجة الأيام، وبات الحديث همسًا وجهرًا عن الانتخابات مجرد مُزحة بين البعض، بعدما وقرَّ فى نفوسهم أن نتائج الصندوق قد حسمت لصالح مرشحين بعينهم.

فى هذا النموذج الأخير من الدحرجة والتطور، أبطلت وألغت الهيئة الوطنية للانتخابات نتائج 19 دائرة فى 7 محافظات فى المرحلة الأولى على المقاعد الفردية بسبب مخالفات اعتبرتها الهيئة مؤثرة فى نزاهة عمليتى الاقتراع والفرز، منها خروقات أمام اللجان، وعدم تسليم المرشح أو وكيله صورة من محضر حصر الأصوات، والتفاوت فى عدد الأصوات فى اللجان الفرعية واللجان العامة، كما تنظر المحكمة الإدارية العليا فى 259 طعنًا على نتائج تلك الجولة من الانتخابات.

من أهم إفرازات تلك المرحلة من الدحرجة والتحوَّر، السلوك الغريب الذى أصاب عددًا من المرشحين، فرأينا أحدهم يتراقص على أنغام الطبل والمزمار البلدى وكأنه فى فرح شعبى، يهز وسطه ويحرك يداه بإشارات تدل على توزيع «النقطة» على الجمهور، إلى آخره من مشاهد لا تليق بانتخابات برلمانية تجرى فى بر مصر.

أخطر إفرازات تلك المرحلة من الدحرجة والتحوَّر أن الناخب والمرشح أصبحا غرباء لا يعرف كل منهم الآخر، لم يعد الكثير من المرشحين فى حاجة إلى جولات ميدانية لكسب ثقة الناخب أو إقناعه، أصبح لدى البعض القناعة بأن التواجد الفعلى على الأرض بين أهالى دائرته ليس هو الطريق الأمثل للفوز والجلوس تحت القبة، فى المقابل أصبح كثير من الناس لديهم يقين، وإن كان زائفًا، بأن أصواتهم صارت مجرد رقم لتجميل العملية الانتخابية.

الخلاصة: فى كل مراحل التطور والتحوَّر والدحرجة السابقة واللاحقة، يظل الصندوق هو العامل المشترك بين تلك المراحل والركن الأصيل الثابت بينها، وعلينا أن نُعيد إلى الناس الثقة فى هذا الصندوق وأن نحافظ عليه، حتى لا يعتقد البعض أن هناك انتخابات يمكن أن تحدث خارج هذا الصندوق رغم تواجده فى كل اللجان.

 

[email protected]