تدخل الرئيس… والفرص الضائعة
لم يكن تدخّل الرئيس الأخير مجرد موقف عابر في لحظة سياسية مرتبكة؛ بل كان جرس إنذار صاخباً أعاد فتح ملف بالغ الخطورة: لماذا تتكرّر الفجوات بين الرئيس وشعبه؟ ولماذا تُترك أزمات البلد حتى تنفجر على السوشيال ميديا قبل أن يسمعها أصحاب القرار؟
إن أخطر ما كشفته تلك اللحظة هو أن قنوات الاتصال بين الرئيس والمواطنين ليست معطلة فقط… بل مسدودة ومحاطة بجدران من المصالح والأجندات الشخصية. المعلومات التي يجب أن تصل صافية تُسلَّم “ممنتجة”، مجملة، محجوبة، أو محمولة على رؤية ضيقة لمن هم مفترض أنهم ينقلون الحقيقة. حتى الإعلام… ذلك الذي يُفترض أن يكون عين الدولة وأذنها، كان يرى اشتعال الغضب في الشارع ويصمت.
يصمت لأنه إعلام مصالح، لا إعلام وطن.
ولم ينطق بعض رموزه بكلمة واحدة إلا بعد توجيهات الرئيس المباشرة للهيئة الوطنية للإعلام بضرورة احترام المهنية والشفافية. وهذه… هي الطامة الكبرى بحد ذاتها.
الانسداد السياسي… ظلاله الاقتصادية لا تُخطئها عين
حين يعجز النظام السياسي والإعلامي عن كشف الأخطاء في وقتها، تصبح الكلفة الاقتصادية باهظة.
يُصفَّق للتجاوزات بدلاً من كشفها، وتُدفن الحقائق تحت طبقات من الصمت والتجميل، فتضيع الفرص واحدة تلو الأخرى. فرص كانت قادرة على وضع مصر في الصفوف الاقتصادية الأولى بما تملكه من موقع فريد وحضارة راسخة.
لكن حرية التعبير حين تُحاصر، وتداول المعلومات حين يُصادر، تُصبح البلاد رهينة شبكات مصالح تفصل الرئيس عن الشعب، وتدير المشهد بمنطق “الأوصياء”، لا بمنطق “الخدمة العامة”.
وهنا تكمن الخطورة… لأن هناك قرارات اقتصادية مصيرية لو وصلت إلى الرئيس في وقتها، لكانت غيرت حياة ملايين المصريين للأفضل، وقلّصت نصف الديون، وربما رفعت قيمة الجنيه إلى أعلى مستوياته
تاريخ طويل من الفرص الضائعة… والنتائج مكلفة
● ضياع أموال المعاشات
حادثة اختلاس أموال المعاشات في عهد مبارك ليست مجرد خطأ إداري؛ بل نموذج كارثي لما يحدث حين يقرر وزير مالية، رأس لجنة الخصخصة، أن يستولي على أسهم مملوكة لـ20 مليون أسرة.
كانت كفيلة بأن تجعل حياتهم أكثر كرامة لو استثمرت في شركات رابحه
● احتكار الحديد
حين تحوّل إنتاج واستيراد و تصدير وتوزيع الحديد إلى إمبراطورية احتكارية باسم أمين الحزب المنحل الأسبق الذي احتكر إنتاج الحديد وتوزيعه واستيراده وتصديره بعد أن استحوذ على شركة الاسكندريه للحديد والصلب وحولها إلى عز الدخيله … كانت تلك واحدة من أكثر الجرائم الاقتصادية التي دفع المواطن ثمناً لها، من جيبه ومن لقمة عيشه ومن طموحاته.
● البناء على الأراضي الزراعية
امتزج النفوذ بالثروة، وتحولت لجنة الحفاظ على الأراضي الزراعية إلى منصة لمزيد من الإهدار، لتلتهم الأبراج خرائط الزراعات الخضراء. لا منطق إلا منطق المصالح، ولا صوت أعلى من صوت المحسوبية.
● رفض مشروع كوريا للتعليم والتدريب المهني
كانت ستنشأ أكبر أكاديمية عالمية لتخريج آلاف الحرفيين والمهنيين على أحدث النظم، من النجار إلى الممرض المتخصص.
مشروع كان سيقضي على البطالة، ويعيد مصر مركزاً للتصنيع والتصدير… لكنه رُفض بلا أسباب مفهومة، إرضاءً للوبي الاستيراد ورجال الحزب الأوحد.
● اتفاقية الكويز… الاختراق الناعم
لقد فرض لوبي الكويز تلك الاتفاقيه التي تحولت استثماراتها إلى سراب، وفتحت أبواب المصانع المصرية أمام التجسس الاقتصادي من جانب الموساد ، وأدت إلى إغلاق مصانع الغزل والنسيج وتشريد آلاف الأسر.
كانت “فرصه ضائعة” تُحسب في سجل الخسائر، لا الأرباح.
**النتيجة؟ أكثر من 40 مليار جنيه سنوياً خسائر مباشرة بسبب الفساد.
فكم يبلغ حجم الخسائر الحقيقية التي لا تُعلن؟**
وهناك العشرات من الفرص الضائعه لا يتسع المقال لسردها
رسالة إلى من يلتفون حول الرئيس: ارفعوا أيديكم
أقولها بضمير وطني لا يعرف المجاملة:
كفّوا عن الوصاية على الشعب.
كفّوا عن تجميل الحقائق.
كفّوا عن تقديم تقارير مصنوعة بمقصّ المونتاج السياسي.
فالشعب أصـدق من تقاريركم، وأوعى من ادعاءاتكم، وأكثر إخلاصاً من حساباتكم.
الشعب هو من يكابد الغلاء والفساد. هو من يعرف الحقيقة قبل نشرها. هو من يدفع الثمن حين تسوء القرارات أو تُخفى الحقائق.
وأنتم، بممارساتكم، تعملون ضد الرئيس وضد الدولة نفسها وتحسبون انكم تحسبون صنعا
الديمقراطية سيف… وحرية التعبير درع
ولا يمكن لدولة عاقلة أن تفرط في سيفها و درعها.
حين تُفتح قنوات الاتصال بين الرئيس وشعبه بلا وسطاء، حين تُسمع أصوات المواطنين بلا تشويه، حين تُكسر شبكات المصالح، عندها فقط تبدأ مصر رحلة لا عودة منها نحو المستقبل الذي تستحقه.