بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

إرهاق الإنجاز.. لماذا نشعر بالتقصير رغم كل ما نحققه؟

 

في زمنٍ صار النجاح فيه ثقافة يومية، والإنجاز عملة اجتماعية نتباهى بها، يعيش الكثيرون حالة غريبة من الإرهاق الداخلي يعرف بـ "إرهاق الإنجاز"؛ ذلك الشعور المستمر بأن ما نفعله غير كافٍ، وبأن خطواتنا مهما كانت واسعة تبقى ناقصة، وكأننا نلهث خلف خط نهاية يبتعد كلما اقتربنا منه.
معايير اليوم أعلى مما تحتمله الطبيعة البشرية
لم يعد الإنجاز مجرد تفوّق على الذات، بل تفوّق على الآخرين، وعلى الزمن، وعلى الصور اللامعة التي نراها على منصات التواصل، أصبح علينا أن نكون ناجحين، مُلهمين، منتجين، سعداء طوال الوقت، وهذا الضغط المستمر يجعل أي إنجاز مهما كان كبيرًا يبدو عاديًا أو غير كافٍ.
المقارنة أصبحت عادة يومية بلا وعي
نقيس خطواتنا بإنجازات من نراهم على الشاشة، لا نرى تعبهم ولا محاولاتهم الفاشلة، لكننا نرى نجاحهم النهائي فقط، فنشعر أننا أقل، حتى لو كنا نحقق الكثير مقارنة بظروفنا وواقعنا، هذه المقارنة غير العادلة تصنع فجوة بين ما نعيشه وما نتوقعه من أنفسنا.
حين ننتقل من هدف لآخر بلا توقف، لا نصبح أكثر قوة… فقط نصبح أقل شعورًا بما حققناه.
ننتقل من هدف إلى آخر دون أن نمنح أنفسنا فرصة للاحتفال أو حتى للتقدير الداخلي، نشعر أن التوقف ضعف، وأن الراحة ترف، فنحرم أنفسنا من الشعور الجميل بالإنجاز، فيتحول النجاح إلى عبء بدل أن يكون فرحًا.
اصبحنا نبحث عن الكمال لا التقدّم
نريد الأفضل دائمًا، ولا نقبل بالأخطاء، ننسى أن التقدم الحقيقي هو سلسلة من المحاولات، وأن الكمال مجرد فكرة، لا حقيقة، وحين نضع أنفسنا في سباق مع المستحيل، نشعر بالإرهاق مهما كانت خطواتنا عظيمة، لذلك لا معنى للإنجاز إن مرَّ مرور العابرين؛ فالقلب الذي لا يحتفل بما يحققه يظل جائعًا مهما حقق
تجارب الماضي تهمس في الخلفية
أحيانًا نشعر بالتقصير لأننا نحمل توقعات قديمة، كلمات سمعناها في طفولتنا، مقارنة من معلم، ضغط من أسرة، أو خوف من الفشل حملناه معنا دون أن ننتبه، ويظل هذا الصوت الداخلي يهمس يمكنك أفضل، وهذا ليس كافيًا، لذلك يجب أن ندرك أن معيار الكفاية يُصنع من الداخل، لا من أعين الآخرين، حتى يبدأ شعور التقصير بالتلاشي.
كيف نتصالح مع أنفسنا ونكسر دائرة إرهاق الإنجاز؟
تعلّم أن تقيّم إنجازاتك بعينك أنت وحدك، متجاهلاً بذلك مقاييس وتوقعات المجتمع أو نظرة الآخرين بقدر كبير، ويجب أن ينبع الاحتفاء بالنجاح من الداخل، لذا كافئ نفسك بأبسط الطرق الممكنة؛ هذا الاحتفاء الصغير يمنح العقل شعورًا عميقًا بالرضا والاكتفاء الذاتي الذي يدفعك للمضي قدمًا.
من الضروري أن تقلل من المقارنات مع مسارات الآخرين، وتذكّر نفسك باستمرار أن لكل طريق ظروفه الخاصة، ومراحله المختلفة التي لا يمكن قياسها بمعايير خارجية، لهذا السبب عليك أن تضع أهدافًا واقعية ومحددة تتناسب تمامًا مع طاقتك وقدراتك الفعلية، بدلاً من السعي لتحقيق ما يتوقعه أو يفرضه عليك الآخرون.
أخيرًا، تذكّر دائمًا أن تُقرّ بقيمتك الذاتية وتُعلي من شأنها، حتى في الأوقات التي لا يتحقق فيها كل شيء كما كنت تتمنى أو تخطط، والقيمة الحقيقية تكمن في المسعى والجهد، وليس فقط في النتيجة النهائية.
ومن هذا المنطلق، إرهاق الإنجاز ليس دليل ضعف، بل علامة على أنك تبذل جهدًا يفوق طاقة روحك، والشعور بالتقصير رغم الإنجاز ليس حقيقة، بل صدى لصوت داخلي يحتاج من يحتضنه، لا من يقمعه، 
دع نفسك تتنفس، وتذكّر دائمًا أن قيمتك ليست بعدد ما تحقق، بل بقدرتك على الاستمرار دون أن تفقد نفسك في الطريق، وختامًا نحن جميعًا نستحق الراحة بقدر ما أستحق النجاح.