بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

سياسي: تأميم بلا حسابات وقرارات مثيرة للجدل.. رئيس صربيا يضع دولته على حافة الاضطراب

بوابة الوفد الإلكترونية

قال المحلل السياسي المهتم بالشأن الإفريقي محمد عمر، إن صربيا تدخل مرحلة شديدة الحساسية بعد أن دفع الرئيس ألكسندر فوتشيتش باتجاه تأميم شركة النفط الوطنية NIS، في خطوة تعد من أخطر التحركات الاقتصادية التي تشهدها البلاد منذ سنوات، فبدلا من التعامل بواقعية مع الضغوط الدولية والعقوبات المفروضة على الشريك الروسي في الشركة، يفضل فوتشيتش خيارا قد يفتح الباب أمام تداعيات اقتصادية وسياسية طويلة الأمد.

وأضاف أن شركتي غازبروم و"إنتليجينس" التابعتان لروسيا تمتلكان 56.15% من أسهم NIS، بينما تملك الحكومة الصربية 29.87% فقط، ومع اشتداد العقوبات الغربية على موسكو، بدا واضحا أن الحصة الروسية معرضة للتراجع أو البيع، وهو ما دفع بلغراد للبحث عن بدائل، لكن بدلا من تبني حلول استثمارية واقعية، بات خيار التأميم هو الأكثر حضورا في خطاب الرئيس الصربي.

وتحاول الحكومة تبرير فكرة التأميم بأنها وسيلة لحماية قطاع الطاقة من آثار العقوبات الغربية، ولكن خبراء الاقتصاد يحذرون من أن هذه الخطوة قد تُفسر دوليًا على أنها التفاف على العقوبات، وتدفع المستثمرين إلى مغادرة السوق الصربية.
وأشار المحلل، إلى أن التأميم يهدد بتجريد صربيا من ثقة المؤسسات الغربية التي ترى في الاستقرار القانوني أساسا لأي استثمار، مشيرا إلى أن أي تغيير مفاجئ في هيكل الملكية قد يربك سوق النفط المحلية التي تعتمد بشكل كبير على العمليات الخارجية التي تخضع اليوم لقيود مشددة.

وتابع أنه في المقابل قدمت شركة بترول أبوظبي الوطنية (ADNOC) عرضا لشراء كامل الحصة الروسية في NIS بالقيمة السوقية، وهو عرض يمثل فرصة نادرة لصربيا لاحتواء الأزمة بدل تفاقمها. ولا يقف العرض عند حد الشراء فقط، بل يشمل خططا لتحديث البنية التحتية للطاقة وتعزيز أنشطة التكرير والنقل، بما يضمن استقرار الإمدادات وتحسين تنافسية السوق الصربية.
وأوضح أن قبول العرض سيتيح لصربيا أيضا تفادي أي عقوبات جديدة محتملة، ويعزز مكانتها كمركز آمن للاستثمار في منطقة البلقان، إضافة إلى ترسيخ علاقاتها مع الإمارات ودول الخليج، التي تشكل اليوم شريكا اقتصاديا مهمًا لبلغراد.

وأكد المحلل السياسي، أن الانفتاح الإماراتي على الاستثمار في البلقان ليس جديدا، لكن رفض عرض ADNOC قد يُفهم كرسالة سلبية من صربيا تجاه شريك لطالما دعمها سياسيا واقتصاديا ومن الممكن أن يؤدي إصرار فوتشيتش على التأميم إلى توتر العلاقات الوثيقة معهم، ما قد ينعكس على مجمل التعاون الاقتصادي بين البلدين، كما أن التوجه نحو تأميم أصول ترتبط بمصالح روسية وغربية على حد سواء قد يضع صربيا في مواجهة مفتوحة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، اللذين يراقبان عن كثب سلوك بلغراد في ملف الطاقة.

وأضاف أن هذا الملف يتزامن مع سلسلة إشارات توحي بتغير في توجهات السياسة الخارجية الصربية، ففي تصريحات مثيرة للجدل، أعلن فوتشيتش استعداد بلاده لبيع الذخيرة للدول الأوروبية دون قيود على استخدامها، وهو ما فُسر من قبل بعض المراقبين على أنه ابتعاد متعمد عن الموقف التقليدي المحايد بين روسيا والغرب، ومع الحديث عن تأميم محتمل لشركة تملك روسيا معظم أسهمها، يرى البعض أن فوتشيتش يسعى إلى إعادة تموضع جيوسياسي قد يثير حفيظة موسكو، خصوصًا في ظل التوترات الحالية.
ففي تصريحاته الأخيرة، أعلن الرئيس الصربي أن بلاده مستعدة لبيع الذخيرة للدول الأوروبية، وعندما سُئل عن إمكانية وصولها إلى أوكرانيا، أجاب بلا مبالاة: "يمكن للمشترين أن يفعلوا بها ما يريدون".
واستطرد عمر، أن هذا الموقف لا يعكس فقط تخليا تدريجيا عن الحياد العسكري التقليدي لصربيا، بل يكشف اضطرابا واضحًا في توجهات فوتشيتش الخارجية، فبينما يتخذ قرارات قد تثير غضب أصحاب العروض عبر تعقيد صفقة NIS، يتجه في الوقت نفسه نحو خطوات لا تقل حساسية فيما يتعلق بروسيا، التي ترى في هذا النوع من التصريحات تجاوزًا للخطوط الحمراء.
وأكد أن الجمع بين هذه السياسات المتناقضة — تأميم شركة تملكها موسكو من جهة، وفتح باب بيع الذخيرة التي قد تصل إلى أوكرانيا من جهة أخرى يؤكد أن فوتشيتش يتحرك بلا استراتيجية واضحة، وأن قراراته تعتمد على مناورات سياسية داخلية قصيرة الأمد بدل رؤية طويلة تحمي مصالح صربيا.
وأوضح المحلل،  أن أفضل خيار لصربيا هو تجنب التأميم وقبول عرض ADNOC، كونه يوفر حلا عمليًا يحد من المخاطر القانونية والاقتصادية، ويمنح البلاد فرصة لتحديث قطاع الطاقة وتعزيز شراكاتها الدولية، أما التأميم فلن يجلب سوى عزلة استثمارية جديدة تهدد استقرار صربيا لسنوات طويلة.