مزامير داوود (١)
دولة التلاوة.. الحصري صوت من ذهب وإتقان لم يتكرر
يحضر اسم الشيخ محمود خليل الحصري كلما ذُكرت التلاوة المرتلة والمنضبطة التي تُشبه مزامير داود في خشوعها وتأثيرها.
فالحصري، المولود عام 1917 في قرية شبرا النملة بمحافظة طنطا، لم يكن مجرد قارئ للقرآن، بل كان مدرسة في الضبط والإتقان والحضور الصوتي، جعلته واحدًا من أعظم المقرئين في القرن العشرين.
وقد كرمه برنامج "دولة التلاوة" في أولى حلقاته، وفتح ملف تأثير الحصري على تشكيل الوجدان القرآني في مصر والعالم الإسلامي، باعتباره المؤسس الحقيقي لعلم التلاوة المعاصرة.
فن الأداء.. كيف صنع الحصري “قواعد الصوت”؟
لم يكن أسلوب الشيخ الحصري مجرد تلاوة، بل هندسة صوتية دقيقة تُبرز مخارج الحروف وطبقات الصوت من غير تكلف.
تميّز صوته بـ:
- التزام كامل بأحكام التجويد دون أي خروج.
- هدوء روحي يجعل المستمع يشعر وكأنه في حضرة سماوية.
- نبرة ثابتة تساعد الأطفال والمبتدئين على التعلم بسهولة.
- مدرسة واضحة في الأداء صنّفت فيما بعد تحت عنوان “المدرسة الحصرية”.
يقول المتخصصون إن الحصري هو أول من سجّل المصحف المرتل كاملاً برواية حفص عن عاصم ثم تتابعت الروايات الأخرى، مثل ورش والدوري.
الحصري والنشر الإذاعي.. لحظة ميلاد “الصوت الرسمي للقرآن”
أجيال كاملة تعرّفت إلى صوت القرآن الكريم عبر الإذاعة المصرية، وكان الحصري أحد الأعمدة التي قامت عليها إذاعة القرآن الكريم عند تأسيسها عام 1964.
وجوده في الإذاعة لم يكن مجرد مشاركة، بل كان بمثابة توحيد للذوق القرآني في مصر، حيث أصبح أداؤه المرجع الأساسي للتلاوة الصحيحة.
ويؤكد المتخصصون أن لجنة اختبار المقرئين كانت تعتبره الميزان الذي تُقاس عليه الأصوات الجديدة.
الحصري في دولة التلاوة
برنامج "دولة التلاوة" أعاد تقديم سيرة المقرئين الكبار بنَفَس وثائقي تحليلي، واحتل الحصري مساحة بارزة في الحلقات التي تناولت أثر التلاوة المصرية عالميًا.
البرنامج عرض:
- تسجيلات نادرة للحصري في مصر وخارجها.
- شهادات باحثين في علم الأصوات.
- تحليل لطريقته المرتلة وأثرها على مدارس التلاوة.
- مقارنات بين أسلوبه وأداء قرّاء آخرين.
الهدف من ذلك كان التأكيد على أن الحقبة الذهبية للتلاوة المصرية لا يمكن الحديث عنها دون ذكر الحصري، الذي مهّد الطريق لعباقرة لاحقين مثل عبدالباسط عبدالصمد والحصري والمنشاوي ومصطفى إسماعيل.
إرث لا يموت
بعد رحيله عام 1980، ظل صوت الحصري حاضرًا في البيوت والمدارس والمساجد.
كما يعتبره المتخصصون أكثر قارئ وصلت تلاوته إلى غير العرب بسبب وضوح مخارجه وبساطة أدائه.
ولذلك يُعدّ اسمه اليوم أحد أهم أعمدة “دولة التلاوة”، وركنًا أساسيًا في فهم كيف تطوّر فن التلاوة في مصر وكيف أصبح له هذا الحضور العالمي حتى اليوم.