خارج المقصورة
طَلَّعت قماش
مؤخرًا، اجتمع اتحاد الأوراق المالية مع نحو 98 من أمناء الحفظ وكبرى الشركات العاملة فى سوق المال، فى لقاء بدا أشبه بغرفة عمليات هدفها مناقشة بنود قرار الرقابة المالية رقم 61 لسنة 2017، بما يضمن أعلى درجات الحماية لحسابات المتعاملين.
الاجتماع غاص فى تفاصيل دقيقة تمس صميم العلاقة بين المستثمرين والسوق: بدءًا من فتح الحسابات وكيفية التعامل عليها، مرورًا بصرف التوزيعات، ووصولًا إلى التوكيلات، وحسابات القُصّر، وحتى الحسابات الراكدة التى لطالما شكلت ثغرة صامتة.
رغم تعدد بنود القرار وتشعبه بما يصب فى صالح المستثمر، إلا أنّ أكثر ما لفت الانتباه هو الجزء المتعلق بصرف الأرباح والعوائد. فالقرار يفرض طرقًا واضحة وشفافة تتمثل فى تحويل بنكى مباشر إلى حساب العميل المسجل لدى بنك مركزى، بطاقة صرف آلى مخصصة للتوزيعات.. تحويل إلى المحفظة الإلكترونية، أو عبر المنصات التكنولوجية المعتمدة من شركة الإيداع والقيد المركزى.
هذا البند تحديدًا يفتح باب الذاكرة على مصراعيه، ويعيد للأذهان واحدة من أكبر القضايا التى هزّت سوق المال: أزمة «مصر للمقاصة» والممنوعين من التصرف فى أموالهم -13 متهمًا- والتى لا يزال ملفها مفتوحًا حتى اليوم.
القضية دارت حول توزيعات أرباح تجاوزت 500 مليون جنيه خلال الفترة من 2008 حتى 2018، لم تصل إلى أصحابها الشرعيين، بل تسربت إلى غير مستحقين، وعلى نحو تورط فيه أفراد من العاملين بالمقاصة، وخرج عن كل السجلات والأنظمة الإلكترونية.. وكأن الأرباح كانت تمر فى ممرٍ مظلم بلا أثر.
من هنا تأتى أهمية القرار 61: فبنوده الجديدة ليست مجرد تعليمات تنظيمية، بل سد محكم للثغرات التى سمحت بما حدث سابقًا. آليات الصرف الجديدة لا تُبقى مجالًا للتلاعب، وتضمن أن تصل كل توزيعة إلى صاحبها «بالمليم»، لا وسيط ولا يد خفية ولا حسابات مجهولة.
مشاركة اتحاد الأوراق المالية فى مناقشة القرار بهذا العمق، وفتح الباب أمام أمناء الحفظ والعاملين بالسوق لتقديم مقترحات فعلية لتسريع تفعيل آلياته، خطوة تُحسب له، وهذا هو الدور الحقيقى للاتحاد أن يكون طرفًا فاعلًا لا متفرجًا، وأن يتحرك حين يجب أن يتحرك.
< يا سادة.. ليس عيبًا أن ننتقد الجهات ذات الصلة بسوق المال حين تتأخر أو تتقاعس، ولا عيبًا أن نصفّق حين يبدأ العمل الحقيقى. واليوم، يبدو أن الاتحاد بدأ يحرك المياه الراكدة، وبدأت آلياته «تطلّع قماش» -كما قال الراحل فؤاد المهندس فى فيلم عائلة زيزى- لتُظهر أن هناك عملًا جادًا يحدث بالفعل خلف الكواليس.