بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

130 فتوى.. محمد عبده رائد الإصلاح الديني والفكري الذي سبق عصره

بوابة الوفد الإلكترونية

في ذاكرة المصريين والعالم الإسلامي يبقى اسم فضيلة الإمام الشيخ محمد عبده واحدًا من أهم رواد النهضة الحديثة. لم يكن مجرد عالم أزهري تلقى العلم وسار في طريق التقليد، بل كان مصلحًا حمل همّ أمته، وخاض صراعًا طويلًا ليستعيد للعقل دوره، ويجعل الدين قوة ناهضة تحفظ هوية الأمة وتفتح لها أبواب التقدم في الوقت نفسه.


دار الإفتاء المصرية أعادت التذكير بسيرة هذا العالم المجدد في إطار احتفائها بـ 130 عامًا من تاريخ الفتوى المصرية، مؤكدةً أن مدرسة محمد عبده ما زالت تؤثر في الفكر الديني حتى اليوم.


 

البداية من القرية إلى رحاب الأزهر
 

وُلد الشيخ محمد عبده عام 1849م في قرية محلة نصر بمحافظة البحيرة، ونشأ في بيئة ريفية بسيطة، لكنه امتلك منذ طفولته ذكاءً لافتًا دفع والده لتوجيهه إلى التعليم مبكرًا.


بدأ تعلم القراءة في المنزل وهو ابن سبع سنوات، ثم انتقل إلى الجامع الأحمدي بطنطا عام 1862م، حيث ظهرت بوادر نبوغه وميوله للتفكير العميق.

عام 1866م التحق بالأزهر الشريف، وهناك تشكّلت شخصيته العلمية على يد نخبة من كبار العلماء، أبرزهم الشيخ درويش خضر، والشيخ حسن الطويل، ثم الشيخ جمال الدين الأفغاني الذي أصبح له تأثير بالغ في حياته، نال شهادة العالمية عام 1877م، ليبدأ بعدها رحلة امتدت عقودًا في التعليم، والصحافة، والقضاء، والإصلاح.


 

محطات مؤثرة في مسيرة الإمام

مع الأفغاني.. بداية الوعي السياسي والفكري

 

ارتبط الإمام محمد عبده بعلاقة قوية بالشيخ جمال الدين الأفغاني، الذي فتح أمامه آفاقًا واسعة في التفكير السياسي والإصلاح الديني.
رافقه في رحلاته، وتبنّى الكثير من أفكاره حول ضرورة تحرير العقل من الجمود، وإحياء روح الاجتهاد.
بلغ هذا التعاون ذروته حين أصدر الاثنان معًا في باريس عام 1883م صحيفة العروة الوثقى، التي كانت دعوة صريحة لنهضة المسلمين وتحررهم من الاستعمار والتخلف.

منصة القضاء.. الإصلاح من قلب المؤسسات

بعد عودته إلى مصر سنة 1888م عُيِّن الشيخ محمد عبده قاضيًا في المحاكم الشرعية عام 1889م، ثم مستشارًا بمحكمة الاستئناف عام 1891م.
كان وجوده داخل سلك القضاء فرصة لترجمة مشروعه الإصلاحي إلى واقع، حيث سعى إلى تطوير أساليب التقاضي وضبط الأحكام الشرعية، وجعل القضاء أكثر عدلًا ومرونة.

رئيس تحرير «الوقائع المصرية»

قبل ذلك كان قد تولّى رئاسة تحرير جريدة الوقائع المصرية عام 1880م، واستطاع تحويلها إلى منبر فكري يعيد تشكيل الوعي العام ويُنشر من خلالها الإصلاح العلمي والديني.


 

مفتي الديار المصرية

في 3 يونيو 1899م صدر المرسوم الخديوي بتعيين الإمام محمد عبده مفتيًا للديار المصرية، ليصبح أحد أهم من تولوا هذا المنصب عبر تاريخ مصر الحديث.
خلال فترة تولّيه الإفتاء أصدر 945 فتوى مسجلة بسجلات دار الإفتاء، تميزت جميعها بالالتزام بروح الشريعة، والانفتاح على الاجتهاد، ومراعاة ظروف العصر، وهو النهج الذي أسس لمدرسة استمرت حتى اليوم.

ترك الإمام مجموعة من الفتاوى التي كانت بمثابة ثورة فكرية وشرعية، مثل:

إعادة التفكير في قضايا الطلاق والوقف.

تنظيم علاقة الدين بالمدنية الحديثة.

نقد الجمود ونشر ثقافة العقلانية الدينية.

 

وفاته.. رحيل مبكر وصدى لا ينطفئ

في مساء يوم 11 يوليو 1905م، الموافق 9 جمادى الأولى سنة 1323هـ، انتقل الإمام محمد عبده إلى رحمة الله بالإسكندرية عن 57 عامًا فقط.
رغم قصر عمره، إلا أن تأثيره تجاوز حدود زمانه ومكانه، ورثاه كبار الشعراء والمفكرين، وظلت أفكاره أساسًا لحركة إصلاح امتدت إلى مصر والعالم العربي كله.