بدأت بـ «البوستر» الرسمى وانتهت فى عروض الأفلام
أزمات تلاحق مهرجان القاهرة السينمائى الدولى فى دورته الـ 46
اختتمت أمس الجمعة فعاليات مهرجان القاهرة السينمائى الدولى فى دورته السادسة والأربعين، التى انطلقت فى يوم 12 نوفمبر 2025، وعلى مدار ثمانية أيام شهدت فعاليات المهرجان عددا من الأنشطة الفنية والندوات وعرض الأفلام فى المسابقات المختلفة سواء الرسمية أو غير الرسمية.
تظهر فى حفلتى الافتتاح والختام صورة الحضور من نجوم الفن ونقل الحدث عبر القنوات الإخبارية وتغطية إعلامية ضخمة ولكن ما بين هاتين الحفلتين تفاصيل وكواليس أيام الفعاليات التى تسطر صفحات من جانب وتسجل ملاحظات على هذه الدورة من جانب آخر، ويأتى ذلك وسط متابعة دقيقة داخل أروقة المهرجان على مدار أيام فعالياته، نرصد خلال هذه السطور أزمات لاحقت الدورة السادسة والأربعين وأيضًا ما يميز هذه النسخة من إيجابيات وإشادات.
فى مقدمة الأزمات التى واجهت مهرجان القاهرة السينمائى فى دورته السادسة والأربعين، تلك الانتقادات الحادة على كافة الأصعدة سواء فى الأداء التنظيمى أو اختيار لجان التحكيم أو الأزمات الإدارية داخل المهرجان، بدأت هذه المخالفات قبيل انطلاق المهرجان، بعدما أعلنت الإدارة عن «البوستر» الرسمى للدورة الـ46، وقوبل بحالة غضب واسعة بسبب عدم تنسيق الألوان التى عبر البعض إنها تشبه قوس قزح، وأن «البوستر» لا يليق بمكانة مهرجان القاهرة عالميًا.
حالة الجدل التى انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعى، دفعت إدارة المهرجان للتحرك العاجل، وسحب «البوستر» من المنصات الرسمية للمهرجان وإصدار بيان توضيحى أكدت فيه أنه غير رسمى، وأن تصميمًا جديدًا سيتم الكشف عنه لاحقًا.
أزمة «البوستر» الرسمى لم تكن المشكلة الأخيرة بينما واجهت إدارة المهرجان عددا من الملاحظات التى لاقت غضبا وسط صناع السينما، حيث تعرضت إدارة المهرجان لانتقادات لاذعة بعد إعلان تشكيل لجان التحكيم، خاصة لجنتى أسبوع النقاد والأفلام القصيرة، اللتين ضمتا الممثلتين سلمى أبو ضيف وتارا عماد، معتبرين أنهما ليست بالقدر الكافى من خبرات السنوات فى مجال الفن حتى تترأس أبوضيف وعماد، لجنتن من مهرجان القاهرة السينمائى العريق.
على مر سنوات طويلة من إقامة مهرجان القاهرة السينمائى، ترأس لجنة الأفلام القصيرة العديد من الأسماء الكبيرة فى مجال السينما عالميًا، منهم المخرج دانيس تانوفيتش، والمخرج الإيطالى مايكل أنجلو فرامارتينو، المخرج الصربى إمير كوستوريتسا، وغيرهم من المخرجين الذين لهم ثقل عالمى فى إنتاج الأفلام القصيرة، لذا يرى عدد من النقاد أن مسابقة الأفلام القصيرة بمهرجان عالمى كمهرجان القاهرة السينمائى يجب اختيار رئيسها بموجب سابقة خبرات طويلة تدفعه لذلك المهمة.
اما عن مسابقة أسبوع النقاد، والتى ضمت فى هذه الدورة الفنانة سلمى أبوضيف، فإنها استقبلت فى عضويتها على مدار سنوات طويلة عددا من صناع السينما، منهم، الكاتب والمبرمج سيريل برتولا، الناقدة السينمائية جيسيكا كيانج، نونو رودريجز، مؤسس ومدير فنى لمهرجان فيلا دو كوندى للأفلام القصيرة، وغيرها من أسماء السينمائيين العالميين الذين لهم تأثير وخبرات طويلة فى النقد الفنى.
تسريب أسماء الفنانين المكرمين فى الدورة السادسة والأربعين، قبل انطلاق المهرجان تسبب فى أزمة وجدل داخل أروقة مهرجان القاهرة السينمائى، وتسريب الأسماء فسر من قبل البعض باعتباره اختراقًا إداريًا أو مؤشرًا على ضعف الانضباط التنظيمى بالمهرجان، وهو أمر لم تعهده إدارة المهرجان فى السنوات الأخيرة، خاصة أن الإعلان عن المكرمين يعد من أبرز لحظات المهرجان وأكثرها ترقبًا على مدار الدورات السابقة، حيث يطعم المهرجان بحالة من الإثارة والمتابعة اللحظية حتى الساعات الأخيرة من إعلان أسماء المكرمين.
وشهد المهرجان انتقادات واسعة من الجمهور، حول عدم ترجمة بعض الأفلام المعروضة، ما أدى إلى عدم فهم واستيعاب الأحداث من جميع الحضور، ذلك الأمر الذى اغضب العديد من الجمهور، أبرزهم الفيلم الألمانى «طفل الأم» غير المترجم، حيث تعتمد أغلب المهرجانات الدولية على ترجمة الأعمال المعروضة لتسهيل عملية التواصل مع الجمهور.
وتدور أحداث فيلم «طفل الأم» حول جوليا، تبلغ من العمر 40 عامًا، وزوجها جورج، اللذين قررا اللجوء إلى عيادة الدكتور فيلفورت لعلاج مشكلتهما فى الإنجاب، وبعد نجاح العلاج، تصبح جوليا حاملًا وتكتشف شعورًا غريبًا تجاه طفلها الذى يبدو هادئًا بشكل غير طبيعى. تتصاعد الأسئلة فى ذهنها: هل هذا الطفل هو حقًا طفلها أم أن هناك شيئًا مريبًا قد حدث فى عيادة الدكتور فيلفورت؟، ويناقش الفيلم تحديات الأم لموضوع الاكتئاب ما بعد الولادة.
على جانب آخر من المشهد، نالت الدورة الـ 46 من مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، اشادات واسعة لعدد من النقاط المهمة، منها استمرار إدارة المهرجان لدعم القضية الفلسطينية، منها تكريم المخرجة والممثلة الفلسطينية هيام عباس، ضمن المكرمين بالمهرجان، حيث يحظى فيلم «صوت هند رجب» للمخرجة كوثر بن هنية بعرضٍ خاص ضمن فعاليات المهرجان بعد فوزه بجائزة الأسد الفضى فى مهرجان ڤينيسيا السينمائى ومشاركته فى مهرجان الدوحة السينمائى.
كما يشارك فى المسابقة الدولية الفيلم الفلسطينى «كان يا ما كان فى غزة» للمخرجين التوأمين طرزان وعرب ناصر، الفائز بجائزة أفضل إخراج فى قسم «نظرة ما» بمهرجان كان السينمائى الدولى، وهو عمل يعكس واقع غزة بعيون سينمائية شابة تمزج بين الحس الواقعى والرمزى.
على الرغم من الجدل الذى صاحب بعض قرارات المهرجان، إلا أن إدارة الدورة الـ46 نالت إشادة واسعة على اختياراتها للأفلام المعروضة فى قسم «العروض الخاصة خارج المسابقة»، وذلك لأن الأفلام المختارة فى هذا القسم، حاصلة على جوائز من مهرجانات كبرى مثل كان وبرلين وڤينيسيا، استمتع الحضور فى مشاهدة هذه الأفلام خلال فعاليات المهرجان.
ومن الإيجابيات التى تحسب أيضا لمهرجان القاهرة السينمائى فى كل دوراتها السابقة والالتزام بالمعيار نفسه بالدورة السادسة والأربعين، هى الاعتماد بشكل أساسى على الدعم والتمويل المصرى دون غيره من المهرجانات، وذلك كما صرح رئيس المهرجان الفنان القدير حسين فهمى، بأنه مهرجان قومى ولا يصح ان يعتمد على تمويل خارجى.
كما يسعى دائمًا مهرجان القاهرة لدعوة نجوم الفن الذين شاركوا فى صناعة هذا التراث المصرى الفنى، بينما شارك فى النسخة الحالية نجوم قدامى وجدد أيضًا، من بينهم يسرا، لبلبة، إلهام شاهين، محمود حميدة، خالد النبوى، أحمد السقا، خالد الصاوى، إلى جانب وجوه شبابية مثل ياسمينا العبد، درة، زينة، هيدى كرم.
يُعد مهرجان القاهرة السينمائى الدولى أحد أعرق المهرجانات فى العالم العربى وأفريقيا، وأحد أبرز المهرجانات الدولية المعتمدة من الاتحاد الدولى للمنتجين (FIAPF). تأسس عام 1976، ويقام سنويًا تحت رعاية وزارة الثقافة. يحرص المهرجان فى كل دورة على الجمع بين البعد الفنى والبعد المهنى، ما يجعله منصة رئيسية للحوار بين الثقافات وتعزيز حضور السينما العربية على الساحة الدولية.

