بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

حين تتحوّل المدرسة إلى كوكب صغير صالح للحياة

فى زمنٍ تتسارع فيه الأحداث، وتتقلّب فيه الأرض بين موجات حرارة خانقة وعواصف غريبة، أصبح العالم يبحث عن شيء واحد: كيف نعيش دون أن نخسر هذا الكوكب؟
ومن هنا، يظهر لنا وجه جديد للتعليم… تعليم لا يكتفى بشرح الدروس، بل يصنع إنسانًا جديدًا، يشعر بالبيئة كما يشعر بالهواء الذى يتنفسه. إنه التعليم الأخضر حين يتحد مع الطاقة النظيفة ليشكّلا معًا مستقبلًا يشبه ضوء الفجر: هادئًا، نظيفًا، ومليئًا بالأمل.
حين يجتمع الفكر الأخضر والطاقة النظيفة… تتغير القصة كلها التعليم الأخضر وحده جميل. والطاقة النظيفة وحدها ثورة. لكن حين يندمجان، نصبح أمام مدرسة مختلفة تمامًا، مدرسة لا تُدرّس الأخلاق فقط، بل تمارسها.
مدرسة لا تتحدث عن البيئة، بل تعيش فيها بوعى ومسئولية. مدرسة لا تشرح للطلاب ما الذى يجب أن يحدث… بل تدعهم يرونه بأعينهم.
هذا الدمج يخلق وعيًا جديدًا.. وعى يرى أن حماية الأرض ليست درسًا فى الجغرافيا، بل درس فى الإنسان. مدرسة تعمل بالشمس وتتنفس الخضرة: صورة تبقى فى ذاكرة الطالب تخيّل صباحًا يبدأ فى مدرسة تُضيء شمسها قبل دخوله إلى الفصل.
ألواح شمسية تلمع فوق الأسطح كما لو أنها صفحات مفتوحة تقرأ الضوء. مراوح تعمل بنسيم خفيف. حديقة صغيرة أنشأها الطلاب بأنفسهم، فيها شجرة يعتنون بها كما يعتنى الطفل بلعبته المفضّلة.
فى مثل هذه البيئة.. التعلم لا يبقى فى الكتاب، بل يتحرك فى الهواء. الطالب لا يدرس الطاقة الشمسية… هو يراها تعمل. ولا يدرس التغير المناخى، هو يلاحظ أثر السلوك اليومى عليه. ولا يسمع عن البيئة… هو يعيشها. وهنا يصبح العلم تجربة، والتجربة تتحول إلى وعى، والوعى يتحول إلى سلوك.
لماذا أصبح دمج التعليم الأخضر بالطاقة النظيفة ضرورة حياتية؟ لأن الكوكب يرسل إشارات واضحة: مواسم لم تعد كما كانت. أمطار تختفى فى وقت، وتفيض بشكل غريب فى وقت آخر. موارد تُستنزف بسرعة أكبر من قدرتها على التعويض. ولأن المدرسة ليست مكانًا محايدًا وسط كل هذا. إنها قلب المجتمع. وإذا تغيّر القلب… تغيّر الجسد كله.
التعليم الأخضر يعطى الطالب الحسّ، والطاقة النظيفة تعطيه الحل، واجتماعهما يصنع مواطنًا يعرف أن كل قرار صغير - مصباح يُطفأ، ورقة يُعاد تدويرها، شجرة تُزرع - يمكن أن يغيّر العالم.
كيف ندمج التعليم الأخضر مع الطاقة النظيفة فى المدرسة؟ الدمج ليس مشروعًا ضخمًا كما يظن البعض، بل يبدأ بخطوات بسيطة لكنها مؤثرة:
1- المدرسة كمختبر حى للطاقة النظيفة، ألواح شمسية صغيرة لتشغيل جزء من المبنى.
أجهزة تجريبية فى معمل العلوم توضح فكرة الطاقة الشمسية والرياح. شاشات تعرض مقدار الطاقة النظيفة التى تولّدها المدرسة يوميًا، لتصبح مصدر فخر للطلاب. هكذا يتعلّم الطفل أن الشمس ليست مجرد حرارة… بل صديقة.
2 - زراعة خضرة فى كل زاوية من نبات صغير فى فصل دراسى، إلى حديقة يُشرف عليها الطلاب. هذه ليست ديكورًا… إنها درسٌ فى الصبر، والمسئولية، واحترام الحياة، وحين يضع الطالب بذرة ويرى نبتته تكبر، يشعر بأن جهده يصنع فرقًا، وأن البيئة ليست فكرة… بل كائن حى يتنفس.
3. تحويل السلوكيات اليومية إلى دروس تربوية، تقليل استخدام الورق. فصل النفايات داخل المدرسة. توفير صناديق إعادة التدوير. تنظيم حملات لتنظيف الفناء. إطفاء الأنوار أثناء ضوء النهار. هذه الأمور الصغيرة هى التى تخلق الجيل الكبير.
4 - مناهج تربط بين الأخلاق والعلوم، لا يكفى أن نعلّم الطالب التكنولوجيا، بل يجب أن نعلّمه سبب استخدامها. فيصبح درس الطاقة النظيفة درسًا فى الأخلاق، ودرس المناخ درسًا فى المسئولية، ودرس البيئة درسًا فى الإنسانية.
ماذا يحدث للطالب حين يعيش فى مدرسة خضراء تعمل بطاقة نظيفة؟
يحدث شىء يشبه السحر. يصبح الطالب أكثر هدوءًا، أكثر تفكيرًا، أكثر وعيًا بما حوله. يفهم أن الطبيعة ليست شيئًا خارجًا عنه، بل جزءًا منه. يتعلم أن الشمس تُعطى بلا مقابل، وأن الرياح تُحرّك ما هو أثقل منها، وأن الأرض تسامحنا دائمًا… لكن إلى حد.
ويتعلم أن المستقبل ليس شيئًا ننتظره… بل شيء نصنعه اليوم. حين يصبح التعليم نفسه طاقة نظيفة، التعليم الأخضر والطاقة النظيفة ليسا مشروعًا بيئيًا فقط، إنهما مشروع حضارى. إنهما لا يهدفان إلى حماية الأرض فقط… بل إلى حماية الإنسان من نفسه. وعندما نزرعهما فى المدرسة، نبدأ رحلة تغيير هادئ لكنه عميق، يجعل أبناءنا يرون العالم بطريقة مختلفة:
يرونه مسئولية، لا موردًا.
ويرونه بيتًا، لا مكانًا عابرًا.
ويرونه فرصة… لا خطرًا.
وحين يحدث هذا… نكون قد صنعنا جيلاً يمكنه أن يحمل الكوكب بأمان.