بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

غدر الاصدقاء

بوابة الوفد الإلكترونية

صاحب ملجأ الرحمة للحيوانات رحل غدراً على يد صديقه وآخرين

المتهمون استدرجوه بحجة علاج كلب مصاب وأنهوا حياته

استولوا على هاتفه ودراجته النارية وألقوه بمصرف مائى

  

لم تكن قرية بنايوس بمحافظة الشرقية تتوقع أن تستيقظ على واحدة من أبشع القصص الإنسانية التى تهز القلوب، فالشاب الذى اعتاد الجميع على رؤيته يجوب الشوارع بحثًا عن كلب جائع أو حيوان جريح، عاد إليهم هذه المرة بلا نبض، وعاد الخير الذى حمله طويلًا جثةً هامدة بعد خيانة لم تخطر على بال.

كان محمد جمال، ابن السابعة والعشرين عاما، معروفًا بين الأهالى بلقب «صاحب ملجأ الرحمة»، فقد استأجر غرفة صغيرة داخل منزل فى القرية، وخصّصها كمأوى متواضع للكلاب المصابة والمشردة.

لم يكن ينتظر مالًا ولا شكراً من أحد؛ كان يؤمن بأن كل روح يعالجها تمنحه حياة جديدة، وبسبب طيبته منحه أهل القرية حبًا يليق بقلبه.

قبل الحادث بيوم واحد، تلقى محمد اتصالًا من صديق مقرّب له يدعى أحمد، تربطه به صلة نسب، أخبره بأن هناك كلبًا مصابًا فى إحدى القرى المجاورة ويحتاج تدخله السريع،

ولأن محمد كان لا يرفض نداءً يتعلق بإنقاذ روح ضعيفة، حمل أدواته، وركب دراجته النارية وانطلق دون تردد، دون أن يعلم أنه يسير نحو الفخ الأخير.

وصل محمد إلى المكان المحدد، عبارة عن طريق مهجور لا يمر به أحد، وهناك ظهر «الصديق» ومعه آخرون، لم يأتوا بكلب مصاب، بل أتوا بقسوة لا تعرف الرحمة.

هاجموه، وتعدوا عليه بالضرب بمطواة مزّقت جسده، وسرقوا هاتفه ودراجته والأموال التى كان يجمعها من تبرعات محبى الحيوانات، وبعد أن سقط بلا حراك، ألقوا جسده فى مصرف مائى بقرية الزنكلون، كأنما أرادوا إخفاء أثر جريمتهم وإخفاء آخر ما بقى من إنسانيته.

وقبل اختفائه بساعات، تلقّت أسرة محمد اتصالًا من الضحية بدا فيه متوترًا، وطلب تحويل مبلغ مالى كبير بحجة أمر طارئ، ما إن حصل على المال حتى اختفى وأغلق الهاتف، لم يدركوا حينها أن هذا الاتصال كان مقدمة لجريمة مُحكمة.

فى اليوم التالى، تلقى مدير أمن الشرقية إخطارًا بالعثور على جثمان شاب طافٍ فى المصرف، وعند وصول قوات المباحث، تبيّن أنه محمد جمال.

الطب الشرعى كشف آثار ضرب وطعن واضحة، مؤكداً وقوع اعتداء وحشى سبقه تعذيب وسرقة.

انتقلت النيابة العامة إلى موقع العثور على الجثة، وبدأت التحقيقات، وسريعًا، تمكنت مباحث الزقازيق من ضبط ثلاثة متهمين اعترفوا باستدراج محمد وقتله.

انتشر الخبر كالنار فى الهشيم.. لم تستطع أم محمد تحمل الصدمة، فسقطت مغشيًا عليها يوم جنازته، خطيبته جلست على الأرض تبكى وكأن الزمن توقف، تتساءل كيف يخطف الموت من كان يعدّ لها المستقبل،

أما أهالى القرية، رجالًا ونساءً وأطفالًا، فقد خرجوا جميعًا خلف نعشه يبكون حزنا عليه.

كانوا يعرفون أنه شاب طيب، بسيط، يسعى يوميًا لإطعام الحيوانات الجائعة، يداوى جراحها، ويمنحها الأمان الذى حرمته الحياة منها.

قال عبدالمنعم عطية، أحد جيران الفقيد: «محمد لم يكن شابًا عاديا، كان روح القرية يهتم بالحيوانات أكثر من نفسه، يغيث من يحتاج، ويحنّ على من لا صوت لهم، رحيله فجوة لن يملأها أحد».

وأشارت إحدى قريباته التى كان يستأجر غرفة منها أنها رأته يعالج كلبًا مصابًا فى قدمه، دفع من جيبه لتركيب شرائح ومسامير، مؤكدة أنها لم تعرف شخصًا يعامل الحيوانات كأهله مثلما كان يفعل محمد.

تحوّلت قصة محمد من مجرد حادث قتل إلى قصة إنسانية تُروى، لقد رحل مغدورًا، لكنه ترك خلفه إرثًا من الطيبة والمحبة، ترك درسًا يقول إن الخير لا يموت، حتى لو دفع صاحبه ثمنه حياته.

وفى القرية، لا يزال الناس يدعون له: أن يرحمه الله كما رحم هو مئات الأرواح الضعيفة، وأن يربط على قلب أمه وخطيبته، وأن يقتصّ ممن باعوا الضمير وخانوا إنسانًا لم يعرف سوى الخير.