بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

بض الكلمات

المشهد الانتخابي وهندسة القوائم "٥"

في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الحياة النيابية المصرية، فاجأ الرئيس عبد الفتاح السيسي الرأي العام بقرار إلغاء الانتخابات في المرحلة الأولى على مقاعد الفردي في معظم الدوائر الانتخابية، فكان قرار الهيئة الوطنية للانتخابات بإلغاء انتخابات ١٩ دائره ب ٧ محافظات بعد ثبوت وجود خلل جسيم ووقائع تزوير فاضحة طالت عملية التصويت والفرز، وحولت العرس الديمقراطي إلى ما يشبه التزوير الفاضح لإرادة الناخبين.
على مدار أربع حلقات سابقة، كشفتُ من خلال حملة كاشفة هزت صورة المسرح الانتخابي من الأساس، وعرّت كيف تحول الاستحقاق النيابي إلى ساحة مفتوحة لسطوة المال السياسي واغتيال إرادة الناخبين ، وكيف تحول المرشح المحظوظ إلى صاحب رأس مال لا صاحب برنامج، يدير حملته من داخل خزائنه لا من بين الناس او قاعدة شعبية وكيف تم شراء الأصوات بوقاحة عبر الكراتين، وشراء الذمم، والوعود الوهمية، في مشهد أقرب إلى مزاد علني على كرامة الفقراء، وكيف جرى خنق المنافسة الحقيقية لصالح تحالفات مغلقة وقوائم مصنوعة في الظلام، بعيدًا عن الشارع والرأي العام.
وكيف انتهت العملية الانتخابية إلى ما يشبه اغتيالًا مكتمل الأركان لإرادة الناخبين؛ بعد أن أصبح صوت المواطن مجرد رقم يمكن شراؤه أو تزويره أو شطبه من المعادلة، وأيضا كيف جرى خنق المنافسة الحقيقية لصالح تحالفات مغلقة وقوائم مصنوعة في الظلام، بعيدًا عن الشارع والرأي العام، بل منظومة متكاملة لقتل السياسة في المهد، وتحويل البرلمان من بيت للأمة إلى مشروع استثمار ضخم للمال السياسي.
القرار، الذي جاء بعد ساعات من تصاعد شكاوى المواطنين والمرشحين وتداول مقاطع وفيديوهات لمخالفات صارخة على مواقع التواصل الاجتماعي، قلب الطاولة على رؤوس بارونات المال السياسي والمنتفعين من تشويه المشهد الانتخابي، وأعاد طرح أسئلة كبرى حول مصير العملية السياسية في مصر وحدود تدخل الدولة لحماية ما تبقى من ثقة الناس في صناديق الاقتراع.. عمليا، لم يكن إلغاء نتائج هذه الدوائر مجرد إجراء إداري، بل حمل رسالة سياسية بالغة القسوة لكل من تصور أن طريقه إلى البرلمان مفروش بحقائب المال، والكراتين التموينية، وتهديد الناخبين أو شراء أصواتهم، ففي اللحظة التي قرر فيها الرئيس نسف نتائج معظم المرحلة الأولى، أعلن ضمنيا أن شرعية أي مجلس تُبنى على نزاهة الصندوق لا على هندسة النتائج، فالهيئة الوطنية للانتخابات والأجهزة التنفيذية والرقابية باتت أمام اختبار تاريخي، إما حماية إرادة الناس بشفافية مطلقة، أو خسارة ما تبقى من رصيد الثقة الشعبي، فالقرار جاء مخالفًا لكل منطق التستر علي الفضيحة السياسية بالتهاون، بل الاعتراف بوجود خلل وتزوير وهنا جاءت عظمة الرئيس، ثم إلغاء مسار بأكمله، مهما كانت التكاليف السياسية والاقتصادية، ومهما كان الإحراج أمام الداخل والخارج.
المرحلة الأولى من الانتخابات تحولت في عدد كبير من الدوائر إلى نموذج فج لما يمكن أن يفعله المال، والنفوذ، لجان أُغلقت في وجه الناخبين ثم أُعلنت نتائجها بنسبة مشاركة "خرافية" ، وأصوات نُسبت إلى مرشحين لم يحصلوا عليها، ومحاضر فرز جرى العبث بها قبل الوصول للجان العامة، ونقل جماعي للناخبين في أتوبيسات مدفوعة، وكأننا أمام "رحلات انتخابية" لا عملية اقتراع حر، ورشى انتخابية علنية على أبواب اللجان، في تحدٍ سافر للقانون والعقل والضمير..جاء قرار الرئيس ضربة موجعة لبرلمان المال السياسي، وضربة قاصمة لبرلمان كان يفصل على مقاس التحالفات المالية والسياسية أكثر مما كان يُبنى على إرادة الناخب البسيط ، فلم يكن القرار مجرد تصحيح لمسار انتخابات أبطال التزوير، بل رسالة بأن "الجمهورية الجديدة" لا يمكن أن تُدار بآليات سماسرة الانتخابات ولا بعقلية ما قبل 2011 أو برلمان 2010.
اليوم، تقف مصر أمام لحظة فارقة ، برلمان يولد من رحم انتخابات نزيهة يخوضها المرشح ببرنامجه لا بمحفظته، فقرار الرئيس بداية معركة طويلة لتحرير الصندوق من قبضة المال، والبلطجة، وتجار الشعارات لمجلس مشوّه يطارد لعنة التزوير من أول يوم حتى آخر يوم في عمره التشريعي .


رئيس لجنة المرأة بالقليوبية وسكرتير عام اتحاد المرأة الوفدية
[email protected]