خط أحمر
وجه آخر لا نراه
إذا جربت أن تدقق فى تفاصيل الحرب الروسية الأوكرانية، فسوف تكتشف أن لها وجهًا آخر لا يكاد يظهر أمامنا، وإذا ظهر فإنه سرعان ما يتوارى من جديد.
هذا الوجه هو أن تحل الولايات المتحدة الأمريكية محل روسيا فى امداد أوربا بالطاقة، وبالذات الغاز الطبيعى المسال الذى تظل أمريكا أكبر منتج له عالميًا!
وقد كانت إدارة الرئيس السابق جو بايدن تستعجل الأوربيين فى وقف استيراد الغاز الروسى، ومن بعد إدارة بايدن جاءت إدارة ترمب تستعجلهم فى الشىء نفسه، وكنا نتصور أن الاستعجال فى الحالتين وراءه رغبة فى معاقبة الروس، أو فى الوقوف إلى جانب الأوكرانيين، ولكن يتبين للمتابع يومًا بعد يوم، أن هذه كلها كانت تفاصيل، وأن الحقيقة هى رغبة واشنطون فى الانفراد بإمداد الأوربيين بالغاز الطبيعى المسال!
ولم يعد هذا سرًا على كل حال، وإنما صار معلنًا على الملأ، وقرأنا مؤخرًا أن اليونان سوف تكون هى الباب لدخول الغاز الأمريكى إلى أوروبا.
ومن قبل كان الاتحاد الأوروبى قد اتخذ قرارًا جماعيًا بحظر الغاز الروسى فى أنحاء القارة، وحدد الأول من يناير ٢٠٢٧ للبدء فى الحظر!.. ومعنى هذا أنه بدءًا من هذا التاريخ سيكون الغاز الأمريكى هو المهيمن على سوق الغاز فى حياة الأوربيين، وسيكون عليهم أن يعتمدوا على الولايات المتحدة فى الإمداد اعتمادًا كاملًا!
وفى اجتماع أخير استضافه المجلس الأطلسى فى اليونان قال كريس رايت، وزير الطاقة الأمريكى، أن بلاده تخطط لتعاون طويل الأمد مع الأوربيين!.. وفى يوليو من هذه السنة تعهد الاتحاد الأوربى بشراء ما قيمته ٢٥٠ مليار دولار من الغاز المسال، والنفط، والتقنية النووية الأمريكية، لمدة تصل إلى ثلاث سنوات.
الغريب أن أوروبا حليف كامل للولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية، ولم يحدث فى أى وقت أن تعرض التحالف بينهما لشىء ينال منه، اللهم إلا فى الأيام الأولى لمجىء ترمب إلى البيت الأبيض فى فترته الثانية الحالية، عندما راح يتعامل مع عواصم القارة بطريقة خشنة لم تعهدها من واشنطن من قبل!
ولكن يبدو أن بلاد العم سام لا ترضى إلا بعلاقات التبعية، ولا تسمح حتى للقارة الحليفة بأن تكون معها رأسًا برأس.