بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

رسالة حب

الناس أولًا

ما زالت أصداء فوز زهران ممدانى الديمقراطى الاشتراكى المسلم بمنصب عمدة نيويورك تتوالى ليس فى أمريكا وحدها بل فى دول ومناطق أخرى، وكأنه زلزال له توابع وهزات عنيفة.. وهذا ما دفع وسائل الإعلام العالمية إلى تسليط الضوء على زلزال نيويورك.

كان تقرير موقع «دويتشه فيلة» الألمانى من أقوى التقارير الإخبارية التى تناولت فوز ممدانى، وأعجبنى التحليل السياسى لهذا الفوز والعبارات القوية التى جاءت فى التقرير وهى عبارات لخصت المشهد بأكمله.

قال التقرير فى تناوله لتأثير هذا الفوز على الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.. إن الخطر الذى يراه ترامب فى ممدانى ليس خطرًا أيديولوجيًا فقط، بل خطر العدوى السياسية. فقد نجح هذا المرشح الشاب فى استمالة شرائح من الناخبين الديمقراطيين، بل وبعض ممن صوّتوا لترامب نفسه، وذلك من خلال خطاب بسيط وواضح يدور حول تكلفة الحياة اليومية من سكن وطعام ومواصلات وتعليم.. إنها اللغة التى يفهمها الناس أكثر من شعارات «عظمة أمريكا» أو «استعادة المجد».

إن انتصار ممدانى ليس مجرد انتصار شخصى، بل إعلانا عن تحول عميق فى المزاج السياسى الأمريكى، من شعار «أمريكا أولًا» إلى شعار جديد، أكثر إنسانية: «الناس أولا» ولعل ذلك تحديدا هو ما يجعل زهران ممدانى أسوأ  كوابيس دونالد ترامب.

هذا ما رصده تقرير دويتشه فيله.. باختصار كشف هذا التحليل السياسى عن التغير الذى حدث للناخب الأمريكى وهو ان الناس لم تعد تهتم بالشعارات الجوفاء التى ظل ترامب يرددها طوال الفترة الماضية والتى تحدث فيها عن عظمة أمريكا، وأمريكا أولًا، وأمريكا العظمى، وأمريكا التى التى لا تقهر، وأمريكا التى تمتلك الغواصات النووية والصواريخ العابرة للقارات وطائرات الشبح، وذهب الناس إلى شعارات أخرى بسيطة شعارات ملخصها «الناس أولًا».. أحوال الناس أصبحت المحرك الرئيسى لأى تغيير.. فالحياة اليومية للمواطن الأمريكى اليوم أصبحت لا تختلف كثيرًا عن حياة المواطن فى دول أخرى كثيرة إذا اعتمدنا على المضمون بعيدًا عن الشكل.. المواطن الأمريكى بات يعانى من التضخم الذى حرمه من شراء سلع أساسية فى «البقالات».. هذا فضلًا عن المعاناة فى إيجارات المساكن والعلاج والمواصلات والتعليم وغيرها من الأمور المعيشية.. كل هذا دفع الناس إلى انتخاب اشتراكى مسلم ليكون عمدة لعاصمة المال والأعمال فى أمريكا فى تحول يعد تهديداً لرمزية المدينة التى طالما اعتبرها ترامب معقلًا للرأسمالية الأمريكية ولنفوذه الشخصى.

لم ينتبه الناخب الأمريكى إلى صرخة ترامب عشية الانتخابات عندما أطلق تحذيرًا، بدا أقرب إلى صرخة سياسية منه إلى تصريح انتخابى وذلك عندما قال: «أوقفوا زهران ممدانى..أو استعدوا لدفع الثمن».

كان التحذير عنيفاً فى اللغة والمضمون معًا.. لأن الرئيس هنا لم يكن يخشى مرشحًا عاديًا.. بل يخشى فكرة أن يتربع مسلم اشتراكى على عرش المدينة التى طالما كانت رمزًا للرأسمالية الأمريكية.. لكن الذى حدث هو أن الناخب الأمريكى رد على التحذير بصفعه قويه ربما لا تتوقف عند حدود نيويورك.