"شكل الماء".. تعرف على الفيلم الفائز بالأوسكار الذي لم ينل ما يكفي من الاهتمام
يطرح فيلم "شكل الماء" سؤالًا محيرًا منذ فوزه بأربع جوائز أوسكار عام 2018: كيف يمكن لعمل بهذه الجودة الفنية أن يظل أقل حضورًا في ذاكرة الجمهور؟ ورغم تحقيقه تقييمًا مرتفعًا على موقع Rotten Tomatoes بلغت نسبته 92%، بقي الفيلم بعيدًا عن الوهج الشعبي الذي نالته أفلام منافسة مثل "دانكيرك" و"اخرج".
ويبدو أن هذه المفارقة تعود إلى طبيعة الفيلم ذاته، إذ يقدم حكاية غير تقليدية تُخاطب العاطفة والخيال أكثر مما تُخاطب الذائقة السائدة.
رسم ملامح قصة إنسانية عبر الخيال
يستعرض الفيلم علاقة إليزا، التي جسدتها سالي هوكينز، بمخلوق بحري غامض تحتفظ به منشأة حكومية سرية. وتمضي القصة في بناء علاقة تتجاوز حدود المألوف، علاقة تنبع من عزلة مشتركة بين شخصيتين مهمشتين تبحثان عن الأمان والقبول.
ويبدع غييرمو ديل تورو في المزج بين الفانتازيا والرومانسية والرعب بطريقة بصرية تنتمي إلى هويته المعروفة.
ويستلهم الفيلم روح الحكايات الشعبية التي تمتلئ بأمراء الضفادع والوحوش الطيبة، ويحوّلها إلى تجربة سينمائية لا تعتمد على الحوار بقدر ما تعتمد على الإيماءة والنظرة والإحساس الخام.
أداء سالي هوكينز ودورها في ترسيخ جمال الفيلم
تُقدم هوكينز واحدًا من أبرز أدوارها في شخصية إليزا الصامتة، وتبني أداءها على تعبيرات دقيقة تفيض بالعاطفة، بدءًا من لحظة اقترابها من المخلوق البحري وحتى التفاصيل الصغيرة التي ترسم رؤيتها للماء والحرية.
ويُعد هذا الأداء امتدادًا لقدرتها على تجسيد الشخصيات الحساسة، لكنه يكشف أيضًا عمقًا جديدًا تبرزه في أعمالها اللاحقة مثل فيلم الرعب "أعيديها" الذي طرح عام 2025. وتُثبت هوكينز أنها قادرة على قيادة أي عمل فني اعتمادًا على فهمها العميق للأداة التمثيلية.
دور دوغ جونز في منح الفيلم روحه
يجسد دوغ جونز دور المخلوق البحري من خلف طبقات المكياج والأطراف الاصطناعية، لكنه ينجح في تقديم شخصية مفعمة بالنعومة والتردد والدهشة الطفولية. وتُسهم لغة الجسد في تحويله من "وحش" إلى كيان عاطفي يملك حضوره وجاذبيته. ويصبح هذا الأداء حجر الأساس الذي يحفظ للفيلم تماسكه. ولولا حضوره، لانهارت الفكرة الرومانسية التي يقوم عليها العمل.
فجوة التلقي بين النقاد والجمهور
تُظهر مقارنة بسيطة بين تقييمات النقاد والجمهور عدم اتفاق الطرفين؛ فالنقاد منحوا الفيلم 93% بينما اكتفى الجمهور بـ73%.
وتكشف المراجعات الشعبية أن كثيرًا من المشاهدين لم يتمكنوا من التقاط رمزية العمل أو فهم تلك المنطقة العاطفية غير التقليدية التي يتحرك فيها.
وبدلًا من قراءة الجانب الإنساني في القصة، اكتفى البعض بوصف الفيلم بأنه قصة حب غير مألوفة أو غريبة، متجاهلين الإشارات العميقة إلى العزلة والتقبّل وعبور الحواجز.
قراءة في جوهر الفيلم
يضع ديل تورو شخصيتي الفيلم في مواجهة عالم لا يمنحهما مساحة للاندماج. وتأتي رمزية الماء لتجسّد التحرر والتواصل في مسار لا يعترف بالقيود الاجتماعية.
وتشكل العلاقة بين إليزا والمخلوق البحري اتحادًا يجمع بين نصفين مكسورين يبحثان عن معنى للسلام الداخلي، ويُعد هذا جوهر العمل: إضفاء إنسانية كاملة على من يعجز المجتمع عن رؤيتهم.
يبدو أن "شكل الماء" دفع ثمن جرأته الفنية وغرابة مزاجه. ورغم نضجه السينمائي وإخراجه المتقن، ظل بعيدًا عن اهتمام الجمهور العريض لأنه لا يشبه القصص التقليدية التي يفضلونها.
ويبقى الفيلم علامة مهمة في مسيرة ديل تورو، وشهادة على قدرة السينما على احتضان الهامش وتحويله إلى حكاية عالمية عن الحب والاختلاف والحرية.