ترسم المجتمعات الآمنة للغزيين.. وحماس خارج الصورة
خرائط وقيادات وخطوط ملونة داخل الغرف المغلقة بتل أبيب
ﻧﻴﻮﻳﻮرك ﺗﺎيمز ﺗﻜﺸﻒ المﺮﻛﺰ اﻷﻣﺮﻳﻜﻰ اﻹﺳﺮاﺋﻴﻠﻰ المخطط لمﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﻘﻄﺎع
فى منطقة صناعية جنوب إسرائيل، يعج مستودع شحن ضخم بمئات الجنود الأمريكيين والإسرائيليين وضباط الاستخبارات العرب وعمال الإغاثة الدوليين والدبلوماسيين والعسكريين من أوروبا حتى سنغافورة. ومهمتهم الرسمية مراقبة وقف إطلاق النار الهش بين حماس وإسرائيل فى قطاع غزة، لكن مهمتهم الثانية تتضمن صياغة خطط طموحة لمستقبل القطاع بعد الحرب، بما يتماشى مع مقترح الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للسلام المكون من عشرين نقطة، الذى يشمل نزع سلاح حماس وإعادة إعمار غزة تحت إدارة فلسطينية جديدة ومستقلة. بحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
أشارت الصحيفة إلى عمل بعض المسئولين العسكريين الأمريكيين فى المنشأة على وضع خطط عملياتية لهذه القوة. وبعد شهر من بدء عمليات المركز، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان قد أحرز تقدماً ملموساً، حيث يشبه المسئولون مركز التنسيق المدنى العسكرى المعروف اختصاراً CMCC بقيادة الولايات المتحدة بالبداية الفوضوية.
الأمر الأكثر لفتاً للانتباه هو غياب التمثيل الرسمى للفلسطينيين فى المبنى ما أثار انتقادات بين بعض الدبلوماسيين وعمال الإغاثة الذين يقولون إن أى رؤية خارجية لغزة لن تنجح ما لم يكن للفلسطينيين صوت مهم.
يقع المركز فى كريات جات على بعد نحو 21 كيلومتراً شمال شرق غزة وتعرض شاشات عملاقة صوراً جوية للقطاع. وتعقد اجتماعات منتظمة لمجموعات عمل مستديرة يقودها كبار الضباط الأمريكيين وتتناول مواضيع الاستخبارات والمساعدات الإنسانية والحكم المدنى، وفقاً للكابتن «تيم هوكينز» المتحدث باسم القيادة المركزية للجيش الأمريكى.
يشرف على عمل المركز فريق بقيادة أرييه لايتستون، مستشار إدارة ترامب المقيم حالياً فى تل أبيب، الذى يعمل على وضع استراتيجية شاملة لمستقبل غزة، حسبما أفاد دبلوماسيون ومسئولون مطلعون على الأمر. وقد أرسلت دول من كندا إلى الإمارات وألمانيا ممثلين لها، بالإضافة إلى وكالات إغاثة ومنظمات غير ربحية.
ويجلس بعض المسئولين ذوى خبرة واسعة فى شئون الشرق الأوسط إلى جانب آخرين بلا خبرة، وقد عقدت دورة تمهيدية للقادمين الجدد بعنوان «ما هى حماس؟»، حسبما ذكر ثلاثة مسئولين.
وعقدت جلسات عديدة على السبورة البيضاء تحمل أحياناً عناوين بسيطة لمواضيع جوهرية، وقسمت مجموعة عمل معنية بالحوكمة المدنية الأسبوع إلى أيام موضوعية مثل «أربعاء العافية» للرعاية الصحية والتعليم و«خميس العطش» للبنية التحتية للمياه. واستند التقرير إلى مقابلات مع أكثر من 20 دبلوماسياً ومسئولاً وعامل إغاثة إضافة إلى وثائق تخطيط داخلية حصلت عليها نيويورك تايمز.
اتفقت حماس وإسرائيل الشهر الماضى على وقف إطلاق النار برعاية أمريكية، منهية أكثر من عامين من الحرب المدمرة التى أودت بحياة عشرات الآلاف ودمرت قطاع غزة الذى يقطنه نحو مليونى نسمة. وبدأ الصراع بعد هجوم حماس على إسرائيل فى 7 أكتوبر 2023، وأسفر عن مقتل نحو 1200 شخص وأسر نحو 250 رهينة.
وتحاول الولايات المتحدة الآن دفع الجانبين إلى المرحلة الثانية من خطة ترامب للسلام، التى تشمل نزع سلاح حماس ونشر قوة استقرار دولية وإعادة بناء الأراضى التى تسيطر عليها إسرائيل على الأقل. ويجرى بعض الاستعدادات لهذه المرحلة فى مركز التنسيق الذى أنشأته القيادة المركزية للجيش الأمريكى وافتتح فى 17 أكتوبر، بمشاركة 200 جندى أمريكى. وكان المبنى يستخدم سابقاً مقراً لمؤسسة غزة الإنسانية المدعومة من إسرائيل، وعلقت عملياتها فى أكتوبر.
يتشارك قيادة المركز باتريك د. فرانك قائد الجيش الأمريكى المركزى وستيفن فاجين السفير الأمريكى لدى اليمن، بينما يشغل اللواء يعقوب دولف منصب مسئول الاتصال الرئيسى فى قوات الاحتلال الإسرائيلى. ويراقب المركز أيضاً المساعدات الإنسانية التى تدخل غزة، وتشرف عليها إسرائيل، حيث يدخل القطاع نحو 800 شاحنة محملة بالمساعدات يومياً.
وقد حاول المسئولون الأمريكيون إدخال المساعدات تحت إشراف المركز بالكامل، إلا أن النتائج كانت متباينة، فيما أكد مسئولان إسرائيليان أن منسق الأنشطة الحكومية فى الأراضى الفلسطينية لم يتنازل عن سلطته لصالح لجنة التنسيق، رغم أن المسئولين الأمريكيين يتولون زمام المبادرة فى الحوار مع المجتمع الدولى.
ويعكس غياب المسئولين الفلسطينيين فى مركز التنسيق إصرار إسرائيل على منع السلطة الفلسطينية من حكم غزة بعد الحرب، بما يتماشى مع موقف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذى يسعى لمنع إقامة دولة فلسطينية مستقلة فى الضفة الغربية وغزة.
ويشغل الجيش الأمريكى الطابق العلوى فى المركز، بينما يخصص الطابق الأرضى لإسرائيل، ويتشاركون طابقاً مشتركاً مع منظمات دولية وحكومات أخرى. وأصبح المركز خلفية للزيارات رفيعة المستوى من مسئولين أمريكيين بما فى ذلك نائب الرئيس جيه دى فانس، ووزير الخارجية ماركو روبيو.
وفى زيارات الصحفيين الأخيرة، عرض لهم الطابق الأوسط من المبنى حيث قدم جنود أمريكيون عرضاً لضباط إسرائيليين يرتدون الزى الأخضر عن قوة الشرطة الفلسطينية فى غزة. وتظهر خريطة وسط الغرفة مناطق حمراء تحت سيطرة حماس ومناطق خضراء تحت سيطرة إسرائيل، مع خط أصفر يفصل بين المنطقتين كجزء من وقف إطلاق النار.
وتشمل جهود المركز تخطيط «مجتمعات آمنة بديلة» وهى مجمعات سكنية جديدة يدرس بناءها للفلسطينيين فى أجزاء من غزة لا تزال تحت سيطرة إسرائيل، على أمل أن تنتقل إليها الأسر الباحثة عن الأمن، ما قد يضعف حركة حماس. ومع ذلك، لم يتضح بعد ما إذا كانت هذه المجمعات ستبنى أو متى، وأثار الاقتراح انتقادات دبلوماسيين متسائلين عن جاهزية سكان غزة للانتقال إليها وما إذا كانت ستفرض شروطاً لتقسيم دائم للقطاع.