بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

أوراق مسافرة

وجع الجنوب «3»

لأى صراع أو حرب فى العالم سقف من الأهداف والطموحات مهما طال أمد هذا الصراع، لكن يبدو أن الوضع مختلف فيما يحدث فى السودان ثالث أكبر دولة فى أفريقيا من حيث المساحة، فالصراع الذى تفجر أبريل 2023 بين الجيش النظامى وقوات الدعم السريع نتج عنه حتى الآن مقتل أكثر من 150 ألف قتيل وتشريد قرابة 12 مليون شخص، ولا توجد رؤية لوقف الحرب ووقف نزيف الدماء، معطيات الصراع تؤكد عدم وجود هدف أو سقف محدد على أرض الواقع يمكن عنده انتهاء هذا الاقتتال الذى يدفع الشعب السودانى ثمنه، فهل يحلم مثلًا محمد حمدان دقلوا «حميدتي» قائد قوات الدعم السريع بالقضاء على الجيش النظامى تمامًا بإبادته وأسقاط النظام نفسه والتربع على سدة الحكم بالبلاد وأن يصبح الدعم السريع هو الجيش الجديد للسودان؟ الإجابة لا، بل مستحيل.
الجيش السودانى أكبر قوة عسكرية فى القرن الأفريقى، تعداده يزيد على 150 ألف ضابط وجندى بجانب أنه مدعوم بقوات تعرف باسم «الدفاع الشعبى» وهى قوة شبه عسكرية نشأت فى السودان عام 1989، وتعد جزءًا من القوة العسكرية السودانية بموجب القانون الدولى، حيث تم إنشاؤها بواسطة النظام الأساسى للدولة، وهناك فرق بين قوات الدفاع الشعبى وقوات الدعم السريع، الأولى مجاهدين متطوعين تحت إمرة الجيش ليس لهم رتب عسكرية ولا رواتب إلا عند الاستنفار، ويشكلون قوات برية للجيش من كل قبائل السودان ويتجاوز عددهم تعداد الجيش النظامى نفسه، وتكن قوات الدفاع الشعبى العداء لقوات الدعم السريع لتعرض حقوقهم للظلم والتهميش فى عهد البشير لحساب قوات الدعم السريع التى استخدمها البشير فى قمع التمرد ضده فى دارفور وخصهم بامتيازات هائلة، لذا قوات الدفاع الشعبى تدعم الجيش النظامى بجانب ميليشيات أخرى تقاتل إلى جانبه مثل الميليشيات «المشتركة»، «درع السودان» و«البراؤون»، وهو ما يشكل غلبة فى التعداد والقوة والتدريب فى مواجهة قوات الدعم السريع.
يضاف إلى هذا أن الجيش السودانى مدرب وقوى منذ نهاية الحرب العالية الثانية بسبب ما واجهه من أعمال تمرد واضطرابات كان يتولى قمعها، ويعتمد فى معداته وآلياته وتدريبه على روسيا، الصين، إيران سابقًا وجنوب إفريقيا، ولم يكن الجيش النظامى غائبًا أبدًا عن المسرح السياسى فى البلاد، حدثت من قلبه ثلاثة انقلابات، الأول حكم البلاد لمدة 6 أعوام بقيادة (الجنرال عبود)، والثانى جاء بالجنرال جعفر نميرى الذى حكم السودان لمدة 16 عامًا، والانقلاب الثالث الذى جاء بعمر البشير وحكم السودان لمدة 30 عامًا، بجانب تصديه نفسه لأكثر من 30 انقلابًا فاشلًا.
وأمام تفوق القوى للجيش فإن أى تخيلات لدى قوات الدعم السريع بالقضاء على الجيش النظامى واحتلال مكانته فى البلاد أمر مستحيل الحدوث، يضاف إلى ذلك أن طبيعة تكوين قوات التدخل السريع المتعدد يقوم على الولاء لقبائلها، ومقاتلوها اعتادوا على العودة سريعًا إلى مناطقهم الأصلية محملين بالغنائم، حيث يعتبر أغلبهم أن الغنائم هى الهدف الرئيس لمشاركتهم فى القتال، وليس البقاء فى خطوط المواجهة لفترات طويلة.
هنا نأتى إلى التصور الثانى، هل تحلم قوات الدعم السريع بإعلان دويلة لها فى غرب السودان؟ دويلة تقوم بحكمها خاصة بعد استيلائها على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، بجانب تواجدها فى كردفان، دارفور، حتى وإن بدا هذا الطموح هو الهدف لقوات الدعم السريع بإيعاز ودعم من دول خليجية ومن «حفتر» فى ليبيا وجهات أخرى تلعب فى الخفاء لتقسيم السودان واستنزاف ثرواتها مع خلال تلك الدويلة المخطط قيامها فى غرب البلاد، فإن الواقع يؤكد صعوبة ذلك، لأن الجيش النظامى جعل من كردفان ومحاورها قلب المواجهة، وهى المنطقة التى تعد رابطًا استراتيجيًا بين الخرطوم ووسط السودان ودارفور، وتستميت قوات الجيش النظامى لحماية مدينة بابنوسة غرب الإقليم، بوصفها آخر نقاط التمركز له للحيلولة دون استيلاء الدعم السريع عليها لأهميتها كممر إمداد حيوى من الخارج، بالتالى لن يتمكن الدعم السريع من تجميع أقاليم له فى الغرب كتمركز قوى لوجوده يصلح لإعلان دويلة عليها.. وللحديث بقية.

[email protected]