بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

انقلاب فى معسكر الموالين

الكرملين يبدأ بتصفية مدونى «Z» عقب دعمهم لدعايته الحربية

بوتين
بوتين


فى تطور غير مسبوق داخل الدائرة الرقمية المؤيدة للكرملين، بدأ النظام الروسى يوجّه سهام القمع إلى أبرز الأصوات التى طالما رفعت راية دعمه فى الحرب على أوكرانيا. فبعد سنوات من اعتماد السلطات على مدونى Z كأدوات لترويج الرواية الرسمية وكسب التأييد الشعبى، بات هؤلاء الآن تحت نيران الدولة نفسها، فى مشهد يعكس تغيرا جذريا فى حدود المسموح به داخل روسيا، حتى بالنسبة لأشد الموالين حماسة حيث أدار «رومان أليخين» قناة تيليجرام شديدة التأييد للحرب.
وقدم المشورة لحاكم روسى، ونال تكريمات عسكرية عن مشاركته فى القتال بأوكرانيا. وكان يمثل نموذجا لمدونى Z، وهم مراسلو الحرب على وسائل التواصل الاجتماعى الذين يتميزون بولائهم الشديد للأيديولوجية الداعمة لغزو فلاديمير بوتن لأوكرانيا. ثم وجد روسيا نفسها تصنفه فجأة كعميل أجنبى.
وقد أثار هذا السقوط الدرامى لأليخين مخاوف واسعة داخل مجتمع الإنترنت الذى سمح له على مدار نحو أربع سنوات بتوجيه انتقادات محدودة لطريقة إدارة الحرب. ويعد انهيار وضعه إشارة واضحة إلى أن حتى المؤيدين للحرب لم يعودوا بمنأى عن آلة القمع الروسية.
ففى الوقت الذى سجن فيه آلاف الناشطين المناهضين للحرب، بدا أن مجموعة متنامية من المدونين العسكريين المتشددين حظيت بالمكانة والتقدير والمال. ومع ذلك، حذر الخبراء من أن تسامح الكرملين مع هؤلاء المدونين لن يدوم طويلا، ويبدو أن هذا التحول يحدث الآن بالفعل بحسب تحليل صحيفة التليجراف البريطانية
ويقول «كير جايلز»، كبير محللى الشؤون الروسية فى تشاتام هاوس، إنه تفاجأ من أن النظام لم يتحرك ضدهم فى وقت سابق. وأوضح أن هذا النوع من المعارضة لو كان موجها ضد النظام السياسى بدلا من الجيش، لكان قد استهدف منذ زمن، لكنه اعتبر لفترة بمثابة صمام أمان يسمح للنقاد بالتنفيس دون المساس بالسياسات العامة للدولة. ويضيف: «الآن تم إغلاق هذا المنفذ بالكامل».
واتهم أليخين بإساءة استخدام الأموال التى جمعها لصالح القوات الروسية، بعد ظهوره بسيارة رياضية وساعة فاخرة على وسائل التواصل الاجتماعى. لكنه ليس الأول. فقد بدأ النظام الروسى يهاجم حتى مؤيديه المقربين، ما يشير إلى أن آلة القمع باتت تلتهم نفسها.
فى أغسطس، تم إدراج سيرجى ماركوف، أحد أبرز المعلقين المؤيدين للكرملين، كعميل أجنبى، وهى تسمية تحمل إرثا من الحقبة الستالينية، وكانت مخصصة سابقا لأعداء الدولة لكن النظام بات يستخدمها اليوم ضد أى صوت مزعج. ويعتقد محللون أن معاقبة ماركوف مرتبطة بدعمه العلنى لأذربيجان رغم تدهور علاقاتها مع موسكو، وهو سقوط كبير لشخص كان يوما ما من أكثر المدافعين موثوقية عن نهج بوتن. وقد وصف ماركوف القرار بأنه هجوم مدبر من «مسئولين فاسدين» و«أعداء روسيا»، مؤكدا ولاءه للوطن الأم.
وفى أكتوبر، وجدت تاتيانا مونتيان، المحامية الأوكرانية السابقة التى أصبحت داعية روسية مؤيدة للحرب، اسمها مدرجا فى قائمة الإرهابيين والمتطرفين بسبب مزاعم باختلاس أموال مخصصة للجبهة. وفى الأسبوع نفسه، اعتقلت شرطة مكافحة التطرف أوكسانا كوبيليف، مؤسسة قناة تيليجرام مؤيدة للحرب، بعد انتقادها أبتى علاء الدينوف، قائد القوات الخاصة الشيشانية أخمات، حيث وجهت إليها تهمة تشويه سمعة الجيش. وينكر هؤلاء جميعا أى ارتكاب لمخالفات.
ويحذر فلاديمير كارا مورزا، المعارض الروسى البريطانى الذى حكم عليه بالسجن 25 عاما قبل أن يفرج عنه فى صفقة تبادل أسرى عام 2024، من أنه بمجرد أن تبدأ آلة القمع العمل، فإنها لا تتوقف. ويشير إلى أن ما يحدث الآن يحاكى مسار الحقبة الستالينية، عندما بدأ النظام بملاحقة خصومه ثم انتقل إلى استهداف مؤيديه.
ويوضح الباحث الدكتور مارتن لاريش من معهد العلاقات الدولية فى براغ أن المجتمع المؤيد للحرب على الإنترنت منقسم إلى فصيلين دعاة مخلصون للكرملين، ومدونو Z الأكثر انتقادا. ومع اشتداد التنافس بينهما، بدأ كل طرف يسعى لتشويه سمعة الآخر ولحماية مصالحه التجارية والإعلامية.
ويمثل فلاديمير سولوفيوف، الإعلامى القوى فى التليفزيون الروسى الرسمى، الزعيم الفعلى للفريق الموالى للكرملين، وقد سبق له وصف المدونين المنتقدين بأنهم «أعداء» للدولة يستحقون السجن. وفى المقابل، يدافع المدونون النقديون عن الجنود فى الجبهات، الذين يشتكون من نقص التدريب والقرارات العسكرية الخاطئة.
ويشير الدكتور لاريش إلى أن تصاعد التعصب لدى الكرملين وحلفائه يشير إلى تضييق مساحة النقد، بالتزامن مع تدهور الأوضاع فى الخطوط الأمامية وارتفاع معدلات الانشقاق العسكرية.
ومع الوقت، أخذ قانون «العملاء الأجانب» يتوسع ليشمل أى شخص دون استثناء. وتوضح تاتيانا ستانوفايا، الباحثة فى مركز كارنيجى روسيا أوراسيا، أن القانون لم يعد محصورا بالمنظمات التى تعمل ضد مصالح الدولة، بل أصبح قابلا للتطبيق على أى فرد. وترافق هذه الصفة عقوبات فورية ووصمة اجتماعية، تشمل الحظر من الوظائف العامة ومنع تنظيم فعاليات أو جمع التبرعات، وإلزام كل منشورات الشخص بوضع عبارة «عميل أجنبي».