خطبة الجمعة
(هلّا شققتَ عن قلبه)
حدَّدت وزارة الأوقاف موضوع خطبة اليوم الجمعة، بعنوان: (هلّا شققتَ عن قلبه).
وقالت وزارة الأوقاف: إن الهدف من هذه الخطبة هو التوعية بحقوق الإنسان كما أقرها الإسلام، وأثر ذلك فى مواجهة التشدد، علمًا بأن الخطبة الثانية من موضوعات مبادرة «صحح مفاهيمك» تحت عنوان: (خطورة الرشوة).
أيها الإخوةُ المسلمونَ… موعدُنا اليومَ معَ حديثٍ عظيمٍ، وقاعدةٍ كبرى منْ قواعدِ الإسلام فى حفظِ النفوسِ وإقامةِ الحقوقِ. إنهُ الحديثُ الذى جرى يومًا بينَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وبينَ أسامةَ بنِ زيدٍ رضى اللهُ عنهُ، قال: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى سَرِيَّةٍ. فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ. فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا. فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِى نَفْسِى مِنْ ذَلِكَ. فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِى صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "أَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟" قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ. قَالَ "أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أم لَا". فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَى حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّى أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ» (رواه مسلم 69، والبخارى 4269).
القلوبُ بيدِ اللهِ وحدَهُ
القلبُ سرُّ اللهِ فى الإنسان: أيُّها الأحبَّةُ الكرامُ… إنَّ القلبَ سرٌّ عجيبٌ من أسرارِ الخلقِ، ومعدنٌ خفى من جواهرِ الإنسان. هو الوعاءُ الذى تُسكبُ فيه المعارفُ، والميدانُ الذى تجولُ فيه الخواطرُ، والمحرابُ الذى تُرفعُ فيه الدعواتُ. فإذا صلحَ أشرقَ الجسدُ كلُّه، وإذا فسدَ أظلمَ الكيانُ بأسرِه.
أيّها الأحبّةُ الكرامُ… إنّ الغلوَّ ليس إلّا مرضًا يَعشِّشُ فى القلوبِ إذا غابَ عنها نورُ التزكيةِ والتربيةِ الإيمانيةِ. وما أصدقَ قولَ اللهِ تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (الشمس: 9-10).
فصلاحُ القلبِ بالتزكيةِ هو صمامُ الأمانِ، وفسادُه بالتَّدْسِيَةُ هو سبيلُ الهلاكِ، ومن هنا كانت التربيةُ الإيمانيةُ هى الطريقَ إلى النجاةِ من الانحرافِ والغلوِّ.
لقد جاء الإسلام بمنهاجٍ ربانى يربطُ العبدَ بربِّه، ويغسلُ قلبَه من أدرانِ الأهواءِ والشبهاتِ، ويُنمّى فيه الخوفَ والرجاءَ، ويُعَلِّمُه التوازنَ بين الخوفِ والرجاءِ، فلا يُقصِّرُ فيقعُ فى التسيُّبِ، ولا يُغالِى فيقعُ فى التشددِ.
قال اللهُ تعالى: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (الشعراء: 88-89). فالقلبُ السليمُ هو القلبُ الذى زُكِّى بالإيمانِ، وطُهِّرَ من الغلِّ والكبرِ والعُجبِ، وبه وحده تُنالُ النجاة.