بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

نبض الكلمات

المشهد الانتخابي وهندسة القوائم "٤"

انتهت المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب ، بصمتٍ أشبه بالغياب السياسي الشامل ، لا ضجيج في الشوارع، لا حماس في اللجان، لا معركة حقيقية تشغل الناس كما كان يحدث في الماضي ، مشهد انتخابي هادئ إلى حد البرود، وكأن الحدث الأكبر في الحياة السياسية مر مرور الكرام، لا ترك أثرا ، ولا أثار جدلًا، ولا أشعل حديث الشوارع والمقاهي ولا صفحات التواصل الاجتماعي بأنواعها...في الوقت الذي كان يفترض أن تشتعل فيه المنافسة بين المرشحين والناخبين، جاءت الأجواء أشبه بـطقس إداري بارد، يسير وفق خطة مرسومة بدقة من فوق، دون مفاجآت، دون حراك حقيقي، ودون روح انتخابية ، فالناخب الذي لم يشعر بوجود المعركة أصلاً، لم يجد ما يدفعه إلى المشاركة، بعدما فقد الإحساس بأن لصوته قيمة أو لتصويته أثر.
المرحلة الأولى من الانتخابات كشفت عن واقع سياسي صامت، تدار فيه المعركة في الكواليس أكثر مما تُدار في الميادين ، أسماء تتكرر، ووجوه معروفة، ونتائج متوقعة، وتحالفات محسوبة، بينما تغيب البرامج والرؤى والمنافسة الحقيقية، لتحل محلها هندسة دقيقة للمشهد الانتخابي لا تترك مساحة للصدفة أو المفاجأة. واللافت أن المال السياسي لعب الدور الأبرز في رسم ملامح المرحلة، حيث حسم النفوذ المالي والإداري المعركة في دوائر كثيرة قبل أن تبدأ ، والمرشح الذي يملك المال والمنصب يسبق الجميع بخطوات، بينما تذوب الوجوه المستقلة ذات الحضور الشعبي تحت وطأة الحملات المكلفة والصفقات المغلقة، إنها انتخابات بلا صراع سياسي او معركة حقيقية ، والهدوء الذي يخيّم على المشهد لم يكن دلالة استقرار، بل علامة على انطفاء السياسة نفسها ، فحين تسكت الشوارع، ويغيب الحماس، وتغلق الأحزاب أبوابها، ويُستبدل الحوار السياسي بحسابات التحالف والتمويل، فهذا يعني أن البرلمان القادم سيكون نسخة هادئة من واقعٍ بلا معارضة، وبلا تمثيل حقيقي للشعب.
قد يرى البعض أن انتهاء المرحلة الأولى بهذا الشكل “المنضبط” يعكس نجاح التنظيم، لكن الحقيقة الأعمق أن كل هذا الهدوء يخفي وراءه فراغًا سياسيًا مقلقًا، وأن صمت الشارع اليوم هو رسالة أقوى من كل الشعارات ، والناس لم تعد ترى في صناديق الاقتراع طريقًا للتغيير، بل مرسما لمشهد محسوم مسبقًا ، إن ما جرى في المرحلة الأولى ليس إنجازًا انتخابيًا، بل جرس إنذار سياسي مدوٍّ ، فالأمة التي تصمت في الانتخابات، إنما تعلن فقدان الثقة في السياسة نفسها ، وحين يُختزل البرلمان في قوائم مغلقة، ويُدار المشهد بالمال والولاء، فإننا لا نؤسس لبرلمان جديد، بل نعيد إنتاج برلمان بلا روح ولا شارع ولا ضمير، إنها انتخابات بلا معركة، ونتائج بلا معنى، ففي الوقت الذي يفترض أن تُدار فيه الانتخابات بمعركة برامج ورؤى وأفكار، تحولت ساحات التصويت إلى أسواق مفتوحة لشراء الأصوات وتوزيع الكراتين الغذائية، في مشهد يختصر المأساة السياسية والاجتماعية التي يعيشها الشارع  ، فقرٌ يستغل، وكرامةٌ تُباع، وصوتٌ يُشترى بكرتونة زيت وسكر وأرز، الخطير أن هذه الظاهرة لم تعد استثناءً، بل تحوّلت إلى عرف انتخابي بائس، يتسابق فيه بعض المرشحين وبعض الأحزاب على استغلال الحاجة بدلاً من مواجهتها، وكأن السياسة لم تعد وسيلة لحل مشاكل الناس، بل أداة لشراء سكوتهم ، المال السياسي وجد في فقر المواطن المدخل الأسهل للسيطرة، فمن لا يملك لقمة العيش لن يملك ترف السؤال عن الديمقراطية، ومن ينتظر كرتونة غذاء في موسم الانتخابات، لن يتوقع أن البرلمان القادم يدافع عن حقوقه بعد انتهائها، إن أخطر ما في المشهد الانتخابي اليوم ليس فقط تزوير الإرادة، بل اغتيال الوعي الوطني تحت راية المساعدات ، فحين يتحول الفقر إلى سلعة انتخابية، والمساعدة إلى رشوة، والناخب إلى زبون ، فاعلم أن السياسة ماتت، وأن صوت الجائع أصبح سلاحًا في يد من يملكون المال لا من يملكون الضمير، ولأن الشعوب لا تُشترى إلى الأبد، فسيأتي اليوم الذي يقول فيه الفقراء كلمتهم بلا كرتونة..بل بوعيٍ غاضب لا يشترى.
رئيس لجنة المرأة بالقليوبية وسكرتير عام اتحاد المرأة الوفدية 
[email protected]