آيات آل عمران.. ٣ مراتب للإحسان تبني بها نفسك
تناول الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، تفسير الآيات (146–148) من سورة آل عمران، مؤكداً أن هذه الآيات لا تسرد تاريخاً ماضياً، بل تُقدّم للمسلمين منهج بناء النفس والمجتمع عبر مفاهيم الصبر والإحسان والنموذج الرباني.
الصبر أعلى مراتب الثبات
«الصبر بلا شكوى… ولا تبرّم»
يوضح الدكتور علي جمعة أن الصبر الجميل هو الصبر الذي يخلـو من الشكوى للناس، ومن التذمّر أو الجزع.
وهو صبر الأنبياء والربانيين، الذين يواجهون الابتلاء بثبات قلب، واكتمال يقين.
ويضيف أن الصبر الجميل ليس انعزالاً عن الفعل، بل قوة داخلية تدفع الإنسان لمواصلة طريقه دون أن يُرهق نفسه أو يُضعف من حوله.
الإحسان… المفهوم الذي غاب عن كثيرين
الإحسان ليس الإنفاق فقط
يشير الدكتور علي جمعة إلى خطأ متداول بين الناس، وهو اعتقاد أن الإحسان يعني الصدقة والإنفاق، وأن هذا المقام خاصّ بالأغنياء.
ويؤكد أن هذا فهم ناقص، فالإحسان أوسع بكثير.
الإحسان هو ترك الإساءة قبل فعل الجميل
يقول:«من حافظ على الطاعة وترك المعصية فهو محسن».
فالإحسان يبدأ من رعاية القلب وحماية الجوارح، ثم يتصاعد ليشمل نفع الناس في كل المجالات.
وبذلك يكون المحسن:
- غنياً أو فقيراً،
- عالماً أو عابداً،
- صالحاً أو مستقيماً…
كلٌ محسن بقدر مقامه واجتهاده.
مراتب الإحسان الثلاثة… خارطة الطريق الإيمانية
يفصّل الدكتور علي جمعة ثلاثة ميادين كبرى يشملها الإحسان:
1. عبادة الله وحده
- أن تُوجَّه العبادة خالصة لله.
- ألا يُعبد غيره بأي صورة.
- أن تتصل الروح بخالقها دون شرك أو رياء.
2. عمارة الكون
- العمل الصالح الذي يخدم الناس.
- الإتقان في المهنة.
- الإصلاح في الأرض، لا الإفساد.
هذا المجال يجعل الإحسان قيمة حضارية لا مجرد حالة روحية.
3. تزكية النفس
- التطهّر من المنّ والأذى.
- ترك الرياء والاستعلاء.
- عدم إفساد العمل الصالح بالشعور بالتفوّق على الآخرين.
هذه المرتبة تجعل الإحسان «صفاءً داخلياً» ينعكس على السلوك الخارجي.
الإحسان في أعلى صوره… أن تعبد الله كأنك تراه
يؤكد الدكتور علي جمعة أن قمة الإحسان هي قول النبي ﷺ:«أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك».
وهذا يعني:
- استحضار مراقبة الله في كل لحظة.
- تهذيب النفس باستمرار.
- جعل العبادة والمعاملات في مستوى واحد من الإتقان.
هنا يصبح الإحسان منهج حياة، لا لحظات متقطعة من العبادة.
النموذج الرباني… كيف يصنع القرآن الإنسان المتصل بالله؟
يكشف الدكتور علي جمعة في شرحه أن الآيات ترسم نموذجاً ربانيًا يتكوّن من ثلاثة عناصر أساسية:
1. إخلاص النية
- لا يطلب الإنسان شيئاً لنفسه.
- النية خالصة لله.
- الهدف رضا الله وحده.
2. صفاء الدعاء
- دعاء للآخرة قبل الدنيا.
- طلب النصر للدين لا للمكانة الشخصية.
- انكسار القلب بين يدي الله.
3. العمل لله وحده
- استعداد للبذل والعطاء.
- صبر وثبات في طريق الحق.
- ترقٍّ إلى درجة الاستعداد للاستشهاد في سبيل المبدأ.
وعندما تجتمع هذه العناصر، يقول علي جمعة:«حين يُرفع الدعاء: يا رب… يا رب، يستجيب الله».
هكذا يُعلّم القرآن كيف يُصبح الإنسان من «الربانيين».