بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

وسط توتر مع واشنطن وتل أبيب

فرنسا تتعهد بمساعدة الفلسطينيين فى صياغة الدستور والتمويل الإنسانى لغزة

بوابة الوفد الإلكترونية

قال الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، بعد لقائه الرئيس الفلسطينى محمود عباس فى باريس، إن فرنسا ستساعد السلطة الفلسطينية فى صياغة دستور لدولة فلسطينية مستقبلية، مؤكدًا التزام بلاده بدعم مسار الحل السياسى وإحياء مشروع الدولتين الذى تعرّض لانتكاسات متتالية خلال السنوات الأخيرة.

وجاء تصريح ماكرون عقب محادثات مطوّلة مع عباس فى قصر الإليزيه، حيث أعلن عن أن بلاده والسلطة الفلسطينية ستشكلان لجنة مشتركة للعمل على وضع الإطار القانونى والمؤسسى لدستور فلسطينى جديد. وقال ماكرون فى مؤتمر صحفى عقب الاجتماع إن اللجنة «ستكون مسئولة عن العمل على كافة الجوانب القانونية والدستورية والمؤسسية والتنظيمية»، موضحًا أن الرئيس عباس قدم له مسودة أولية للدستور المقترح وأن فرنسا ستعمل مع الجانب الفلسطينى على تطويرها واستكمال الشروط الضرورية لقيام الدولة.

وأضاف ماكرون أن باريس ستقدّم مساعدات إنسانية إضافية لغزة تصل إلى 100 مليون يورو بحلول نهاية عام 2025، فى إطار دعمها للمدنيين المتضررين من الحرب الأخيرة. وأكد أن فرنسا ملتزمة بمواصلة الجهود الدبلوماسية لإعادة بناء مؤسسات الحكم الفلسطينى على أسس ديمقراطية شفافة، مشيرًا إلى أن بلاده ترى فى قيام دولة فلسطينية خطوة ضرورية لتحقيق سلام دائم وعادل فى الشرق الأوسط.

وكانت فرنسا من بين عدة دول غربية كبرى، بينها بريطانيا وكندا وأستراليا، قد أعلنت فى سبتمبر الماضى عن اعترافها الرسمى بدولة فلسطين، فى خطوة وصفت بأنها تاريخية ومدفوعة بالإحباط من السياسات الإسرائيلية واستمرار الحرب المدمرة فى غزة. وأوضحت هذه الدول أن الاعتراف يهدف إلى تعزيز حل الدولتين ودعم الجهود الدولية لإقامة سلام شامل يقوم على العدالة وحقوق الإنسان. وبذلك انضمت باريس وشركاؤها إلى أكثر من 140 دولة حول العالم تعترف رسميًا بحق الفلسطينيين فى إقامة وطن مستقل على الأراضى التى تحتلها إسرائيل.

فى المقابل، رفضت إسرائيل بشدة موجة الاعترافات، معتبرة أنها «تكافئ» حركة حماس على هجومها فى السابع من أكتوبر 2023 الذى أشعل الحرب الأخيرة فى غزة. كما أدان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب هذه الخطوات، مؤكدًا التزامه بموقف حليفته تل أبيب ومعارضته لأى مسار سياسى يمنح الفلسطينيين اعترافًا قبل نزع سلاح الفصائل المسلحة بشكل كامل.

وفى سياق متصل، كان قد تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس بوساطة أمريكية فى أكتوبر الماضى، إلا أن الحكومة الإسرائيلية أعلنت مجددًا عن رفضها القاطع لأى احتمال لإقامة دولة فلسطينية مستقلة. وأكد مسئولون فى تل أبيب أن الهدنة لا تعنى نهاية الصراع، وأن العمليات العسكرية ستستمر حتى «تدمير القدرات العسكرية لحماس».

وقال الرئيس محمود عباس خلال المؤتمر الصحفى إن السلطة الفلسطينية «ملتزمة بثقافة الحوار والسلام» وتسعى إلى إقامة «دولة ديمقراطية غير مسلحة، تحكمها سيادة القانون والشفافية والعدالة والتعددية وتداول السلطة». وأعرب عباس عن تقديره لجهود الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وشركائه الدوليين فى وقف القتال فى غزة، مشيرًا إلى أن المرحلة المقبلة تتطلب «بناء مؤسسات الدولة وضمان الاستقرار السياسى عبر نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة بما فى ذلك حماس».

وتأتى تصريحات عباس فى وقت تسعى فيه القيادة الفلسطينية لإعادة ترتيب البيت الداخلى بعد سنوات من الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة، فيما تواصل فرنسا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى حثّ الأطراف على توحيد الصف الفلسطينى تمهيدًا لعملية سياسية شاملة.

ويرى مراقبون أن المبادرة الفرنسية تمثل محاولة لاستعادة دور باريس فى ملف الشرق الأوسط بعد تراجع تأثيرها خلال العقد الماضى، خاصة مع تصاعد النفوذ الأمريكى فى إدارة مسارات الصراع. ويشير دبلوماسيون إلى أن باريس تسعى لتقديم نفسها كوسيط نزيه قادر على الموازنة بين دعم الحقوق الفلسطينية والحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع إسرائيل والولايات المتحدة.

ويُنظر إلى خطوة تشكيل لجنة لصياغة الدستور الفلسطينى باعتبارها خطوة رمزية لكنها تحمل أبعادًا سياسية وقانونية مهمة، إذ تعيد طرح فكرة بناء مؤسسات الدولة من الداخل بدلًا من انتظار اتفاق شامل مع إسرائيل. كما أن الدعم المالى الذى أعلن عنه ماكرون لغزة يعكس رغبة فرنسا فى التخفيف من المعاناة الإنسانية التى خلفتها الحرب، والتى وصفتها منظمات الإغاثة بأنها الأسوأ منذ عقود.

ومع استمرار التباين بين المواقف الأمريكية والأوروبية من ملف الدولة الفلسطينية، تبدو المبادرة الفرنسية محاولة لملء الفراغ الدبلوماسى، وفتح مسار تفاوضى جديد يضمن استئناف المباحثات السياسية المتوقفة منذ عام 2014. ويرى محللون أن نجاح هذا المسار سيتوقف على مدى استعداد واشنطن لتبنى مقاربة أكثر مرونة تجاه فكرة الدولة الفلسطينية، فى ظل رفض تل أبيب القاطع لأى خطوات دولية تُفسر على أنها اعتراف أحادى الجانب بسيادة الفلسطينيين.