بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

رادار

غزة.. ودور مصر فى صناعة الغد

انتهت أصوات المدافع، واختفى دخان البارود عن سماء غزة مؤقتًا، وها هى غزة تطل من بين الركام بوجهها الرائع المفمع بالأمل دومًا.. غير أن الصمت بعد الحرب لا يعنى بالضرورة ولادة السلام، فالسؤال الذى يتردد فى كل العقول.. ماذا بعد الاتفاق، هل تسير الأمور نحو الإستقرار أم أن ما حدث مجرد هدنة مغلفة بأمنيات مؤقتة، وهل إسرائيل التى اعتادت أن تفرغ العهود من مضمونها، ستفى هذه المرة بعهدها؟.. فالواقع يقول إن الطريق لا يزال طويلًا وشائكًا، والسلام الحقيقى لا يقاس بتوقف إطلاق النار، بل بمدى صدق النوايا، وبالتحول من إدارة الصراع إلى إنهائه.

إسرائيل التى تدرك أن أمنها مرتبط باستقرار غزة، قد تحاول المراوغة كعادتها، بعدما تعرت أمام بسالة وشجاعة أسود غزة ليتأكد أمام العالم أن هذا الاحتلال كيان هش، غطاؤه وقوته فى الدعم الأمريكى الغربى الذى يدعم تجاوزاته المتخذة، ولكن اكتشف العالم اليوم أن هذا الكيان المنحط يواجه متغيرًا جديدًا ووعيًا عربيًا وإقليميًا لم يعد يقبل بأن تكون الدماء الفلسطينية ورقة مساومة فى لعبة النفوذ.. وهنا يبرز دور مصر، التى لم تكتفِ بصياغة الاتفاق بل باتت الضامن الأخلاقى والسياسى لاستمراره.

فالقاهرة تدرك أن مرحلة ما بعد الحرب هى الأصعب، وأن بناء السلام يتطلب بناء الثقة، لا الجدران.. ومصر دومًا لا تنظر إلى غزة من زاوية أمنية فقط، بل من منظور إنسانى وتاريخى يرى أن استقرار القطاع يعنى استقرار المنطقة بأكملها.. ولهذا تعمل على تثبيت وقف إطلاق النار، وفتح مسارات إعادة الإعمار، وإعادة ضخ الحياة فى شراين أنهكها الحصار.

ولا شك أن إعادة إعمار غزة ليست مجرد مشروع هندسى، بل مشروع وطنى وإنسانى يحتاج إلى إدارة رشيدة تضمن أن تصل المساعدات إلى مستحقيها، لا إلى تجار الحروب أو وكلاء النفوذ.. ومصر- بما تملكه من خبرةٍ وقدرةٍ على التواصل مع جميع الأطراف هى الأقدر على قيادة هذه المرحلة، عبر رؤيةٍ تجمع بين الواقعية السياسية والضمير الإنسانى.. فهى تدرك أن ما يبنى بالحجر لا يصمد إن لم يبنَ أولًا بالثقة، لكن التحدى الأكبر يظل فى قدرة الأطراف على ترجمة هذا الاتفاق إلى واقع مملوس.. فهل تسمح إسرائيل بإعادة الإعمار دون عراقيل؟.. وهل تتوقف عن استهداف البنية التحتية كلما اشتد التوتر؟.. وهل يدرك العالم أن إحياء غزة ليس منة، بل ضرورة أخلاقية لحفظ ما تبقى من إنسانيتنا.

إن السلام فى جوهره ليس لحظة توقيع بل مسار طويل من الاختبارات اليومية.. ستختبر إسرائيل فى التزامها، وسيختبر الفلسطينيون فى قدرتهم على توحيد الصف وإعلاء المصلحة العامة على الانقسام، أما مصر فستختبر فى ثباتها على النهج الذى اختارته.. وهو طريق العقل والكرامة لا الانفعال ولا الصفقات العابرة.

فى النهاية تبقى غزة مرآة لضمير الحق والوعى والإنسانية والنضال فى هذا العالم المخيف، وستظل مصر بوصلته وقلب فلسطين النابض.. فإذا كان اتفاق السلام قد أنهى جولة من الدم، فإن المرحلة القادمة هى امتحان للضمير الإنسانى كله فالحرب تدمر المدن، لكن ما يقتل الأمم حقًا هو غياب الأمل.. ومصر اليوم تعيد زرع الأمل فى ركام غزة، لتؤكد أن البناء بعد الدمار ليس فقط فعلًا هندسيًا، بل إعلان إيمان جديد بأن الحياة تستحق أن تعاش، مهما كانت الجراح عميقة.

ولن يموت شعبًا أراد أن يعيش الحياة بعزة وكرامة. المجد كل المجد لشعب فلسطين المناضل الأبى وعاشت مصر الحارس الأمين للقضية الفلسطينية.. عاشت مصر وعاشت فلسطين.

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

 

[email protected]